منحت التغيرات الأخيرة في تركيا بعد استقالة وزير المالية وإقالة محافظ البنك المركزي آمالا في انطلاقة جديدة للاقتصاد نظرا لتأثير الشخصيات السياسية على الأوضاع المالية والاقتصادية ما قاد إلى نتائج وخيمة.
قال محللون إن الرحيل المفاجئ لأكبر اثنين من صانعي السياسات الاقتصادية في تركيا في مطلع الأسبوع يمهد الطريق لرفع أسعار الفائدة وإجراءات أخرى لوقف نزول غير مسبوق لليرة، حتى مع وجود تساؤلات سياسية بشأن التغيير في القيادة.
ومن دون تفسير من حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، قال صهره براءت ألبيرق على إنستغرام في وقت متأخر الأحد إنه يتنحى عن منصبه كوزير للمالية بعد أن قضى فيه عامين، لأسباب صحية.
جاء ذلك بعد يوم واحد من إخطار رسمي في الساعات الأولى من يوم السبت بأن أردوغان استبدل محافظ البنك المركزي مراد أويسال بوزير مالية سابق. ولم يتم الإعلان عن سبب هذه الخطوة، غير أن مسؤولين قالوا إن نزول قيمة العملة هو الدافع.
وقفزت الليرة بما يصل إلى 6 في المئة الاثنين في أكبر صعود لها في أكثر من عامين. وكانت يوم الجمعة قد لامست مستوى قياسيا منخفضا جديدا بعد أن هوت 30 في المئة هذا العام، لتكون الأسوأ أداء بين عملات الأسواق الناشئة.
وهذا التراجع ناجم عن مخاوف بشأن نضوب الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي وتدخلات باهظة التكلفة من الدولة في أسواق العملة وأسعار فائدة حقيقية سلبية، وهي سياسات يمكن إلغاؤها في ظل النظام الجديد، وكذلك خطر عقوبات غربية بسبب سياسات خارجية ودفاعية تركية.
وحث كل من أردوغان وألبيرق علنا أيضا على خفض أسعار الفائدة، وهو ما أثار المزيد من المخاوف بشأن استقلالية سياسات البنك المركزي. وفي الشهر الماضي خالف البنك توقعات واسعة لتشديد كبير على السياسة وأبقى على سعر الفائدة الرئيسي مستقرا عند 10.25 في المئة.
وقال المحافظ الجديد ناجي إقبال الثلاثاء إن البنك سيركز على خفض التضخم المرتفع واستخدام جميع أدوات السياسة بشكل حاسم في تصريح وصفه أحد المتعاملين في العملات بأنه “لقي استحسان السوق”.
وقال مسؤول كبير بحزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان “إقبال لديه السلطة والقرب لأن يذهب إلى الرئيس مباشرة وينقل إليه الوضع… إنه منصب صعب، لكن يجب اتخاذ خطوات لوقف الزيادة السريعة في سعر الصرف”.
وفي إشارة إلى بيان استقالة ألبيرق، قال وين ثين الرئيس العالمي لأبحاث العملات لدى براون برازرز هاريمان “الخطر السياسي التركي قفز خلال عطلة نهاية الأسبوع”.
وقال المحلل المقيم في نيويورك “السبب المعلن هو الصحة، لكن من الواضح أن هناك أكثر مما تراه العين”. ولا يزال من غير الواضح من سيحل محل ألبيرق وامتنعت وزارة المالية عن التعقيب.
ولم تؤكد مصادر بالرئاسة بيان ألبيرق إلا في وقت مبكر الثلاثاء، بعد حوالي 15 ساعة من اتخاذه الخطوة غير المسبوقة بإعلان رحيله على إنستغرام. وفي وقت لاحق، لم يذكر أردوغان، الذي يجب أن يوافق على الاستقالة، ألبيرق في كلمة إلى سفراء أتراك.
وقال كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري، وهو الحزب الرئيسي في المعارضة، إن الاستقالة ترقى إلى أن تكون “أزمة للدولة” وانتقد أردوغان لإدارته البلاد كما لو أنها “شركة عائلية”.
وعانت تركيا، أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، من انكماشين حادين في عامين وفقدت عملتها نحو 45 في المئة منذ تولي ألبيرق المنصب في منتصف 2018.
ورغم أن النمو الاقتصادي يتعافى من تداعيات فايروس كورونا، فإن التضخم عالق حول 12 في المئة والبطالة مرتفعة، لاسيما بين الشباب، ومن المتوقع أن تقفز مجددا عند رفع حظر على تسريح العاملين.
وباعت البنوك التركية التابعة للدولة هذا العام احتياطيات أجنبية تقدر بمئة مليار دولار لدعم الليرة المنكوبة، لكن بيانات حكومية تظهر أن مثل تلك التدخلات انحسرت في الأشهر الأخيرة، فيما يتوقع محللون أن تزداد انحسارا في ظل القيادة الجديدة.
وانتقد اقتصاديون وسياسيون معارضون للتدخلات كونها تفاقم تراجعا حادا في صافي احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، والتي نزلت بأكثر من النصف هذا العام، وعلى خلفية التسبب في زيادة غير مسبوقة في حيازات الأتراك من العملة الصعبة.
ويتوقع محللون في جولدمان ساكس وتي.دي بنك أن يرفع إقبال، وهو صديق مقرب لأردوغان، سعر الفائدة الرئيسي بما لا يقل عن 600 نقطة أساس في وقت مبكر، قد يكون اجتماع السياسة النقدية في 19 نوفمبر الجاري.
وقال ثين من براون برازرز هاريمان “كثيرون الآن يتوقعون أن يسارع إقبال إلى رفع الفائدة بشكل كبير لتحقيق الاستقرار لليرة، إذ إنه ربما لم يكن ليتولى المنصب من دون الحرية في انتهاج سياسات تقليدية”.