فيما الأزمة الحكومية رهينة المحاصصات الفئوية والسياسية، والاصلاحات عبارة عن مجرد «ورقة اقتصادية»!! تستمر الدولة في إلهاء المواطن بالمزيد من الوقت من «ترياق» صندوق النقد وكأنه «تحصيل حاصل» الى «غنيمة» مؤتمر سيدر وكأن الـ11,8 مليار دولار الموعودة منه ما زالت جاهزة في «صندوق خاص بإسم لبنان! ودون اعتبار لـ «صلاحية الانتهاء» بعد مرور أكثر من سنتين وعشرة أشهر على انعقاد المؤتمر قد تجعل أو جعلت الدول المشاركة تعيد النظر في حجم المبالغ الموعودة، لا سيما أنه طوال تلك المدة حصلت تطورات اقتصادية ومالية ومصرفية بنيوية وسياسية مهمة غيّرت مختلف الأسس التي بنيت عليها المعطيات ومعها الالتزامات التي تعهد بها لبنان للمؤتمر والأموال التي خصصت في حينه للبنان.
فبعد ٦ نيسان ٢٠١٨ يوم انعقاد المؤتمر نشبت عدوى الكورونا بكل تأثيراتها المتواصلة على حجم الاقتصاد الذي، حسب تقديرات البنك الدولي، انخفض من ٥٥ مليار دولار الى أقل من ٢٠ مليار دولار، وارتفع الدين العام من أقل من ٨٠ مليار دولار الى نحو ٤٠٠% من الناتج بما يقترب من ١٠٠ مليار دولار، واستمر العجز السنوي في ميزان المدفوعات بحوالي ٤ الى ٥ مليار دولار، وانخفضت احتياطيات مصرف لبنان بأكثر من ١٢ مليار دولار الى حدود السقف الالزامي (17,5 مليار دولار) وارتفع الدولار بنحو ٣٠٠% وازداد معدل التضخم وانخفضت القوة الشرائية للعملة الوطنية والقيمة الحقيقية للودائع المصرفية، ومعها الدولار المصرفي الى 0,36% فقط من الدولار النقدي، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة ووضعت القيود على السحوبات المحلية والتحويلات الخارجية مما أضعف الثقة الدولية والعربية وخفض قيمة الامتيازات والأملاك العامة للدولة والأملاك الخاصة للمواطن وتراكمت استحقاقات اليوروبوندز مع فوائدها على لبنان باجمالي أكثر من ٣٠ مليار دولار توقف لبنان عن تسديدها، وانخفضت تصنيفات الوكالات الدولية للبنان الى الحد الأدنى الذي يسبق بخانة واحدة درجة الانهيار الكامل.
وتكبد لبنان خسائر انفجار مرفأ بيروت بأكثر من ١٠ مليارات دولار، وتراجعت واردات الدولة بنحو ٥٠% وازدادت حدة الضغوطات والشروط السياسية والنقدية الدولية – والتحفظات العربية – الخارجية، والمحاصصات الحزبية والفئوية الداخلية في ظل أزمات حكومية ما زالت متواصلة في تعقيدات تـأليف الحكومة.. فكيف يمكن مع هذه التطورات الحالية والمفاجآت السياسية والأمنية المستقبلية، أن تبقى القروض والمنح عند حدود الآمال والوعود، لا سيما ان الدولة اللبنانية ومنذ مؤتمرات باريس ١ و٢ و٣ وصولا الى مؤتمر سيدر لم تلتزم بكل ما تعهدت به تجاه الدول المشاركة في وقف الهدر والفساد وترشيد الانفاق العام وانتظام الموازنة واعادة الهيكلة الادارية والمالية والمصرفية وتوحيد سعر الصرف ومعالجة عجز الكهرباء والتحضير للخصخصة والمشاركة بين القطاعين وتقليص حجم القطاع العام والانتقال من اقتصاد الريع الاستهلاكي الى الاقتصاد الانتاجي الحقيقي… فيما مع استمرار النقمة والاحتجاجات الشعبية، تتساقط مقومات الحكم وتتهالك بنية الادارات الرسمية وهيبة الأجهزة القضائية وتقف البلاد على شفير فوضى تهدد باضطرابات اجتماعية وأمنية تلقي بثقلها على وعود المؤتمرات الدولية السابقة وأي مؤتمرات لاحقة… ومن الآن الى أين؟