انتهت صفقة الـOTT قبل أن تبدأ. خدمة نقل المحتوى الذي يقع ضمن الخدمات المُتاحة بحرية في الإنترنت “Over the top”، لا سيما نقل المحتوى التلفزيوني، بالشراكة مع مرخّصي ومقدمي المحتوى، كانت محاطة بحماسة وزارة الاتصالات وهيئة “أوجيرو”.
لكن العقد الرضائي الذي أبرمه وزير الإتصالات جوني القرم، ومدير عام هيئة أوجيرو عماد كريديه، مع شركة “ستريم ميديا”، آثار شكوكاً كبيرة حول الصفقة والهدف من حصريتها في يد شركة واحدة حديثة العهد، ولديها صفر خبرة في المجال.
وما كان قرار ديوان المحاسبة بحجب الموافقة المُسبقة للإتفاق الموقّع بين وزارة الإتصالات وهيئة أوجيرو وشركة “ستريم ميديا”، ليتحقق، من دون ضغط من قبل لجنة الإتصالات والإعلام في المجلس النيابي.
يفنّد النائب ياسين ياسين في حديث لـ”المدن”، آليات إيقاف الصفقة بالرجوع إلى تواريخ النقاش الذي بدأ في أيار/مايو العام 2022، حين طلبت وزارة الإتصالات رأي هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل وموافقتها على شراكة مع القطاع الخاص لتقديم خدمة التلفزيون عبر بروتوكول IPTV، أي تقديم خدمة تلفزيونية عبر الانترنت، لكن مع حصر قانون الاتصالات في الولوج إلى شبكات الاتصالات ومراكز أوجيرو، في وزارة الاتصالات، وجاء الجواب بالرفض.
فالـIPTV، هي التقنية الأكثر ملاءمة لأيّ مشغّل للشبكة الثابتة، بما فيها شبكة الإنترنت، كي يقدّم خدمة التلفزيون عبر الإنترنت بنوعية أفضل وأسرع لمشتركيه. وفي حين كانت هذه الخدمة تتطلّب جهاز تشغيل (IPTV set top box) لدى مشتركي الخطوط الأرضية، أصبح من الممكن الآن تشغيلها عبر تطبيقات للتلفزيونات الذكية أو الهواتف.
ويقول ياسين: “وزير الاتصالات في كانون الأول/ديسمبر 2023 طلب من هيئة الاستشارات والتشريع إبداء رأيها بتقديم اوجيرو لخدمة OTT، لتصدر الهيئة رأيها بأنه يحق لأوجيرو تقديم هذه الخدمة مع تحقيق عدد من الشروط، منها أن تستوفي هذه الشراكات شروطَ تنظيم الشراكة بين القطاع العام والخاص”.
تجاوز هيئة التشريع
وبالعودة قانونياً إلى قانون تنظيم الشراكة بين القطاع العام والخاص، تنص المادة 7، على أن تخضع إجراءات اختيار الشريك الخاص لمبادئ الشفافية وحرية الاشتراك للمرشحين المتنافسين والمساواة في معاملتهم بالإضافة إلى العلنية الكافية لتوفير تعدّد العروض المتنافسة على الفوز بالعقد. وتشترط المادة أن تبدأ إجراءات اختيار الشريك الخاص بالإعلان عن دعوة عامة للراغبين بالترشح للفوز بالمشروع المشترك، وتضمن معايير التأهيل التي تتناسب مع حجم وطبيعة المشروع المشترك.
وفقاً لذلك، ينص القانون بوضوح على وجوب ضمان الشفافية والتنافسية من خلال تأهيل العارضين ووضع دفتر الشروط والدعوة إلى تقديم العروض وتقييمها وإعلان النتيجة. في المقابل، قام وزير الاتصالات باتفاق بالتراضي مع شركة “ستريم ميديا” لبثّ خدمة OTT من دون إخضاع الملف للتنافسية ولقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص ولمنطق استدراج العروض وفقاً لدفتر شروط واضح. بحسب شرح ياسين.
ويضيف ياسين: “إدارة أوجيرو طلبت الموافقة على العقد المذكور بتبرير توقيعها مع “ستريم ميديا” بصورة رضائية من دون ايّ منافسة مستندة للمادة 46 من قانون الشراء العام التي تجيز الشراء بواسطة الإتفاق الرضائي في حال عدم توافر موضوع الشراء إلا عند مورِّد أو مقاول واحد، أو عندما تكون لمقاول حقوق ملكيّة الفكرية في ما يخص موضوع الشراء، وتعذر اعتماد خيار أو بديل آخر”.
ويشير الى انه “بعد التحرّي لدى مؤسسات الدولة لإثبات ملكية الشركة، تبين لجنة الإتصالات وديوان المحاسبة بالإثباتات، بأن شركة شركة “ستريم ميديا” المتعاقدة مع اوجيرو هي شركة فارغة “Shell company” تم تأسيسها العام 2022 خصيصاً لغرض التعاقد الرضائي مع أوجيرو لحيازة المشروع، وهي لا تمتلك اي مكتب في الوزارة أو لا في أي مكان آخر، ولا تملك أي ملكية فكرية، وغير مسجلة في مالية الدولة، وليس لديها أي موظف مسجل في صندوق الضمان الإجتماعي، ولا وجود لأي عقد مع شركات تمتلك المحتوى التلفزيوني الذي تود بثه”.
إجماع غير مسبوق
وينقل ياسين لـ”المدن” “الإجماع غير المسبوق من نوعه في لجنة الإتصالات والإعلام بعضوية 10 أعضاء من أصل 12 عضواً، بالشروع بدورهم الرقابي في المجلس النيابي ومن قبل الأجهزة الرقابية لأجل حماية أموال ومقدرات الدولة، لا سيما وزارة الإتصالات التي تعتبر ذهب الدولة”، داعياً وزير الإتصالات “لأن يمارس عمله، فهو ليس وزير ملكاً، بل وزير وصاية يجب أن يقوم بتدعيم عمل الوزارة وتدعيم الهيئة الناظمة للقطاع، وتفعيل قانون الإتصالات 431، بكل شفافية لا عبر شركات وهمية تفرغ أصول الدولة، ولخلوها من الشفافية وإعتماد الإستنسابية لصالح شركة “ستريم ميديا” التي تعبث بأصول الدولة وممتلكاتها”.
بوضوح، خالفت وزارة الاتصالات القوانين المرعية الإجراء في ما يخص التعاقد بالتراضي مع شركة “ستريم ميديا”، من خلال تخطي قانون المنافسة وقانون تنظيم الشراكة بين القطاع العام والخاص بالإضافة للالتفاف على قانون الشراء العام.