حُوّل ملف حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، من النيابة العامة التمييزية إلى النيابة العامة المالية، للادعاء عليه بالتهم المنسوبة إليه. وصباح اليوم الأربعاء 4 أيلول، ادعى النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم، على سلامة، وحُوّل الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت، بلال حلاوي.
“سرقة أموال مصرفيّة”
وفقًا لمعلومات “المدن”، ختم القاضي الحجار تحقيقاته، وحوّل الملف للقاضي إبراهيم الذي ادعى على سلامة بجرم “سرقة أموال من المصرف المركزي”.
كيف سُرقت الأموال؟
حسب معلومات “المدن”، فإن سلامة هرّب الأموال من المصرف المركزي إلى حسابه الخاص عبر حساب مصرفي يسمّى “حساب الاستشارات”. وهو حساب خاص بأتعاب المحامين الذين يتعاملون مع سلامة والمصرف. وسلامة استغلّ هذا الحساب لإخراج الأموال من مصرف لبنان وتحويلها إلى حسابه الخاص. وحسب مصادر “المدن” القضائية، فإن التحقيقات الأوروبية، أكدت أن سلامة اعتمد هذه الحيلة لتهريب الأموال من شركة “فوري” الوهمية إلى حساباته المصرفية وحسابات عائلته.
ألاعيب سلامة
في الفترة الماضية، تسلّم المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار، مستندات ووثائق من هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان. وبعد التدقيق في المستندات والحسابات المصرفية التابعة لسلامة داخل المصرف، وبعد الاستماع إلى مجموعة من الشهود، فُضحت أمام القضاء اللبناني تفاصيل العمليات المشبوهة التي اعتمدها سلامة لتهريب الأموال. وحسب معلومات “المدن”، فإن المستندات التي تسلّمها الحجار تؤكد خروج مبلغ 42 مليون دولار أميركي من المصرف المركزي لحساب الاستشارات. وأظهرت التحقيقات أن هذا المبلغ حُوّل إلى حساب أحد المحامين المقربين من سلامة، والأخير حوّل المبلغ نفسه إلى حساب مصرفي آخر لأحد أفراد عائلة سلامة، ومن ثمّ حوّل المبلغ إلى حساب رياض سلامة المصرفي. بهذه الطريقة، هرّب سلامة الأموال من المصرف المركزي، مستعينًا بحسابات مصرفية متعددة، لتصل إلى حسابه المصرفي الخاص. وهذه الحيلة كفيلة بأن تُثبت دهاء سلامة داخل مصرف لبنان بالتعاون مع أزلامه لأكثر من ثلاثة عقود.
مرحلة مفصليّة
مصير سلامة صار معلّقًا بقرار القاضي بلال حلاوي، الذي كُلف بمهام قاضي التحقيق الأول في بيروت بعد تقاعد القاضي شربل أبو سمرا، والذي تسلّم هذا المنصب بعد توسع دائرة الخلافات بين قضاة التحقيق اعتراضًا على آلية التكليف. على أي حال، وحسب مصادر “المدن”، سيُحدد حلاوي جلسة استجواب لسلامة خلال الأيام المقبلة. وحتى تاريخ مثوله أمام حلاوي، لن يُخلى سبيل سلامة أبدًا، بل سيبقى محتجزًا داخل مبنى خاص لدى قوى الأمن الداخلي. وبعد الجلسة الأولى يحدد حلاوي إما تركه رهن التحقيق بكفالة مالية، أو إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه، وفقًا للأدلة الموجودة أمامه.
إذن، قرار حلاوي له أهمية كبرى في مصير سلامة. ففي حال أصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه، فهذا يؤكد أن السلطة السياسية باعت سلامة، ورمته في نفق مظلم لن يخرج منه بسهولة، حينها من الممكن أن يبقى محتجزًا لأشهر طويلة، أما في حال تُرك سلامة بعد جلسة استجوابه، فهذا يشير إلى أنه قد ينجح في الهروب من الملاحقة القضائية، وقد ينجو من هذا المأزق.
هذه التفاصيل تعيدنا إلى تاريخ 23 شباط العام 2023، حين طلب المدعي العام التمييزي المتقاعد غسان عويدات من النيابة العامة، الادعاء على سلامة، فرفض القاضي زياد أبو حيدر تنفيذ هذا الأمر، وتولى النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش هذه المهمة وادعى على سلامة وشقيقه رجا، ومساعدته المصرفية ماريان الحويك بجرم تبييض الأموال والتهرب الضريبي والتزوير، وحوّل الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا (قبل تقاعده).
واستمرت التحقيقات لأشهر طويلة، ولم يصدر أبو سمرا أي مذكرة توقيف بحق سلامة. وفي كل مرة كان ينجح سلامة في عرقلة التحقيقات، حتى توقفت التحقيقات بشكل كامل نتيجة تقدم رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر بمخاصمة الدولة، اعتراضًا منها على طريقة التعامل مع سلامة خلال جلسات الاستجواب. ودخل الملف في متاهة الهيئة الاتهامية منذ عام 2023 نتيجة مخاصمة سلامة لجميع القضاة. وعبّرت مصادر قضائية لـ”المدن” عن تخوّفها من تكرار هذا السيناريو بعد وصول الملف لقاضي التحقيق الأول، بلال حلاوي.
يُذكر أن الملفات المصرفية التي يتابعها الحجار، ومن ضمنها ملف أوبتيموم، سبق وأن بدأت بها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، غادة عون، التي علقت على منصة “إكس” أن توقيف سلامة هو “حدث تاريخي.. ولا بد من استكماله”، وفي حديثها مع “المدن” أكدت “استمرارها في متابعة ملف “أوبتيموم”، لافتةً إلى أنها ستتوجه للنائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، لمطالبته بتسليمها سلامة كي تتمكن من التحقيق معه.
وحسب معلومات “المدن” توجهت عون للنيابة العامة التمييزية اليوم لكن الحجار لم يكن متواجدًا هناك.