أثار التقرير الأخير الصادر عن وكالة «ستاندر أند بورز» عن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية والذي يأتي بعد أقل من 10 أيام على تقرير آخر قرّر عدم خفض تصنيف لبنان واعطاء الحكومة مهلة 6 اشهر، أكثر من علامة استفهام حول كثرة هذه التقارير وبعض ما يأتي في مضمونها ويعتبره مسؤولون لبنانيون يعتمد “التحليل السياسي” وتتم المبالغة به.
لا شك أن الوضعين النقدي والاقتصادي ليسا على ما يرام في البلاد، وهو ما استدعى اعلان القادة اللبنانيين بعد لقاء بعبدا حالة طوارىء اقتصادية، لكن ذلك لا يبرر، بحسب معنيين بالشأن المالي، ما يرد في بعض تقارير هذه الوكالات التي سرّعت برأيهم بطريقة او بأخرى مثلا في افلاس اليونان بعد تخفيض «ستاندرد أند بورز» عام 2010 تصنيف الديون السياديّة اليونانية إلى درجة خطرة، ما أفقد المستثمرين ثقتهم بأثينا وعمّق الأزمة المالية في البلد، اضافة لعرقلة الوكالة نفسها جهوداً لتحميل الدائنين جزءاً من ديون اليونان في العام 2011.
وكانت التقارير التي صدرت عن وكالتي “موديز” و”فيتش” في شهر حزيران الماضي وتحدثت عن احتمال اتخاذ الحكومة اللبنانيّة إجراءات تشمل إعادة هيكلة الدين، قد أثارت سخط وزيري المال والاقتصاد حيث تحدثا بوقتها عن “تحليل سياسي مغلوط” اعتمدت عليه هذه التقارير وعن “قلق حقيقي” حيال عدم اعتمادها على “الوقائع والمشاريع والاجراءات المتخذة”.
وبعد اجتياز لبنان اختبار «ستاندر أند بورز» بنجاح نهاية شهر آب مع قرار الوكالة ابقائها على تصنيفB- ، أتى التقرير الجديد الذي صدر هذا الأسبوع والذي لم يكن متوقعا أقله بالتوقيت، ليطرح مجددا أكثر من علامة استفهام وان كان قد أتى بحسب المعنيين باطار تبرير عدم خفض تصنيف لبنان. ويشير مدير معهد “الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية” الدكتور سامي نادر الى انها قد تكون المرّة الاولى التي يكون فيها لوكالتي “فيتش” و”ستاندر أند بورز” تقييما مختلفا للوضع في بلد ما باعتبارهما تعتمدان نفس منهجيّة العمل التي تقوم على تقييم الموجودات بينما تقوم “موديز” على تقييم المخاطر، وبالتالي ونظرا لتخفيض “فيتش” تصنيف لبنان وابقاء “ستاندر أند بورز” التصنيف على ما هو عليه، قد تكون الاخيرة شعرت بوجوب ان توضح ما حصل خاصة حفاظا على مصداقيتها في الأسواق، لذلك لجأت الى تقديم توضيحات حول العاملين الاساسيين اللذين بنت عليهما “فيتش” لخفض التصنيف وهما انخفاض احتياطي مصرف لبنان وتراجع حجم الودائع. الا انه رغم ذلك يتفق نادر مع الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان على ان توقيت التقرير الجديد مريب.
ويعتبر أبو سليمان أنه رغم ذلك لم يكن كما صوّره البعض سلبيا بالمطلق، اذ شخّص الواقع بحديثه عن أن احتياطي مصرف لبنان يمكن أن يموّل احتياطات الدولة أقلّه لسنة في حال لم يحصل أيّ صدمة ايجابيّة، مضيفا: “هذا اذا لم نكن نريد أن نتحدّث عن تقارير مدسوسة خاصّة، وان هذه الوكالات فقدت مصداقيتها بعد الأزمة الماليّة في العام 2008 جرّاء تصنيفها لعدد من المصارف بالممتازة وهي لم تلبث أن أفلست في اليوم الأول أو الثاني من الأزمة”.
بالمحصّلة، لا يلغي الدور “المشبوه” الذي قد تلعبه هذه الوكالات في كثير من الأوقات حقيقة الوضع الصعب الذي يرزح تحته لبنان والذي يتطلب استنفارا وسرعة في الحركة، ما يترتّب ان نوازن بين الوقائع الذي تتضمنها هذه التقارير وتأثيراتها الكبيرة على المستثمرين والمودعين والدول المانحة في “سيدر” وبين بعض المبالغات، سواء في المضمون او التوقيت والتي قد تندرج باطار الضغوط الخارجيّة على لبنان لاخضاعه في ملفات استراتيجيّة.