منذ اللحظة الأولى لـ«وصول» فيروس «كورونا» إلى لبنان، باشرت وزارة الصحة العامة إجراء فحوصات الـpcr للقادمين عبر مطار بيروت الدولي وعلى المعابر الحدودية. يومذاك، أُوكلت إلى الوزارة مهمة إجراء الفحوص في المختبرات المتعاقدة معها، ولا سيما مختبر مستشفى رفيق الحريري الجامعي. إلا أنه مع مرور أشهر قليلة، ومع تفشي الفيروس، باتت هذه المختبرات عاجزة عن اللحاق بانتشار الفيروس، فعملت «الصحّة» على إبرام مذكرات تفاهم مع أطراف أخرى للقيام بهذه المهمة، وأُبرمت أولى تلك المذكرات منتصف آب من العام 2020.
عام ونصف عام بعد آب، أبرمت خلالها وزارة الصحة أربع مذكرات تفاهم، كانت الجامعة اللبنانية طرفاً أساسياً فيها سنداً للمادة 14 من قانون الموازنة العامة الذي يجيز للأخيرة «عقد اتفاقيات مع جهات من الحق العام أو الخاص لتقديم خدمات لقاء بدلات أتعاب (….)»، فيما دخل طرفان آخران، هما المديرية العامة للطيران المدني وجمعية «عمّال» (جمعية غير حكومية يفترض أنها لا تبغي الربح) في مذكرتين منها. وتدرّج العمل في المذكرات حتى… طلب وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، بقرار خطي، من وزارة الصحة وقف العمل بمذكرة التفاهم (آخر مذكرة مبرمة) الخاصة بإجراء الفحوصات للوافدين عبر المطار منتصف شباط الماضي. وكان سبق هذا الطلب – الرسمي – نقاش داخل اللجنة الوزارية المكلفة متابعة إجراءات مكافحة فيروس كورونا، والتي عقدت في الخامس من كانون الثاني الماضي بحضور المعنيين بالملف من رئيس الحكومة إلى وزراء الصحة والتربية والتعليم والداخلية والأشغال العام والنقل والعمل والسياحة ورئاسة الجامعة اللبنانية والأمانة العامة لمجلس الوزراء. وطرح حمية خلال اللقاء سؤالاً جوهرياً حول مدى قانونية فرض بدل مادي من دون إسناده بقانون يصدر عن السلطة التشريعية، إلا أن الردّ كان حينها بأن هذه المبالغ المستوفاة هي «رسوم خدمات ولا تحتاج إلى قانون».
إلى جانب تلك القضية التي خرجت إلى العلن، كان ديوان المحاسبة يقوم بـ«مهمة» أخرى في إطار استكمال التحقيق حول مصير أموال فحوص الـpcr المجراة في مطار بيروت الدولي وعلى المعابر الحدودية، والتي تأتي إثر كتاب لوزير المالية يوسف الخليل «الذي يودع الديوان بموجبه الإعلام عن مخالفة مالية من الجامعة اللبنانية وذلك لإجراء الرقابة القضائية بشأنها».
وفي هذا السياق، حصلت «الأخبار» على «التقرير الخاص» الذي أعدّه قضاة الغرفة الرابعة في الديوان والذي يفنّد «مكامن الخلل في الاتفاقات المبرمة وفي التطبيق العملي لها». وهي أربع مذكرات:
ـ مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية
ـ مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني.
ـ مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة العامة وجمعية «عمال».
ـ مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني وجمعية «عمّال».
ليست الأموال الضائعة هنا على الدولة اللبنانية هي فقط ما يظهره التقرير، وإنما يبدأ من الأصل: من الخلل الذي أوصل إلى تلك النتيجة التي طارت بسببها المليارات.
وبغض النظر عما يراه الديوان ملحّاً، وعلى أهميته، إلا أن ما يثير التساؤل هنا هو السكوت المريب الذي استمر عاماً ونصف عام سواء من ديوان المحاسبة أو من المعنيين بالمشروع بشكل مباشر، خصوصاً أن المخالفات التي رصدها التقرير لا تقلّ خطورة عن ذهاب الأموال العمومية في مهب الريح. وهي مخالفات تتمحور حول وجود شبهات سواء في ما يتعلق بقانونية عقد تفاهمات بين أطراف تخطّى بعضها الصلاحيات المعطاة له، وفي عدم مراعاة وزارة الصحة للأصول المنصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية لجهة الاتفاق مع جمعيات خاصة بالتراضي لتقديم خدمات ومنع المنافسة أمام جهات أخرى يمكن أن تقدم الخدمة نفسها وفي تفويت أموال على خزينة الدولة، والتهرب من الرقابة الذي تفرضه النصوص القانونية وفي مخالفة أبسط قواعد إدارة المال العام، حيث لا يجوز أن تتنازل الدولة إلى جمعية خاصة عن حقها في إدارة الأموال العمومية والتقرير بشأنها والتصرف بها أو أن تتشارك معها هذه الحقوق، وغيرها من المخالفات.