أعلن تقرير مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي في شأن مراجعة الأداء والدروس المستفادة لإطار الشراكة الاستراتيجية للبنان، الذي يُلخِّص التقدّم المُحرز في التنفيذ خلال السنوات المالية 2017-2022، والذي وضعه ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، انّ «على الرغم من التحذيرات المبكرة، أضاع لبنان وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنِّي مسار لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي. إنّ تكاليف التقاعس والتلكؤ هائلة، ليس فقط على الحياة اليومية للمواطنين، وإنما أيضاً على مستقبل الشعب اللبناني. وبعد مرور عامين ونصف عام على الأزمة، لم يشرع لبنان حتى هذا التاريخ في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي، يحول دون انزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق. وينطوي استمرار التأخير المتعمّد في معالجة أسباب الأزمة، على تهديد ليس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على خطر إخفاق منهجي لمؤسسات الدولة، وتعريض السلم الاجتماعي الهش لمزيد من الضغوط».
ووافق مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي في العشرين من أيار، على تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة لإطار الشراكة الاستراتيجية للبنان، الذي يُلخِّص التقدّم المُحرز في التنفيذ خلال السنوات المالية 2017-2022، ويُنقِّح أهدافه، في وقتٍ يشهد فيه لبنان إحدى أشدّ الأزمات الاقتصادية والمالية في التاريخ الحديث. ويُمدِّد التقرير أيضاً فترة تنفيذ إطار الشراكة الاستراتيجية عاماً إضافياً (خلال السنة المالية 2023) لتعزيز برامج التعافي الاجتماعي والاقتصادي، التي تشتدّ الحاجة إليها، وتستهدف الفئات الفقيرة والأكثر هشاشة، ودعم مسار إصلاحات الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية التي أصبحت ضرورية لإنقاذ البلد.
ويشير تقرير البنك الدولي، الى أنّه خلال فترة تنفيذ إطار الشراكة، عصف بلبنان عدد من الأزمات المتفاقمة والمتشابكة: أزمة اقتصادية ومالية قاسية، وجائحة كورونا (كوفيد-19)، وانفجار مرفأ بيروت، وأخيراً أزمة أمن غذائي نتيجة للحرب في أوكرانيا.
ووفقاً لتحليل البنك الدولي، هوى إجمالي الناتج المحلي الإسمي من قرابة 52 مليار دولار أميركي في 2019 إلى مستوى متوقع بقيمة 21.8 مليار دولار أميركي في 2021، مسجّلاً انكماشاً نسبته 58.1%. وواصل سعر الصرف تراجعه الشديد، متسبباً في دخول معدّلات التضخم في خانة المئات. وقد أدَّت هذه الأزمات إلى تفاقم المصاعب الاجتماعية التي أثَّرت على الأسر الفقيرة والمحتاجة أكثر من غيرها، وزيادة الهوة وعدم المساواة بين الفئات المجتمعية. وفي ظلّ التقاعس السياسي، أحدثت الأزمات، التي لم يتمّ إيجاد الحلول لها، أضراراً طويلة الأمد في الاقتصاد والمجتمع في لبنان: فالخدمات العامة الأساسية تتهاوى، ومعدّلات البطالة تزداد بشكل حاد، ورأس المال البشري يتعرّض لاستنزاف شديد. ويعاني القطاع الخاص من معوقات جسيمة من جراء شلل النظام المالي. وقد أفضى انخفاض إنتاجية الشركات ومعدلات توليد الإيرادات إلى انتشار تسريح العمالة وحالات الإفلاس. وإذا استمر التقاعس في إصلاح السياسات، فمن المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 6.5% في 2022.
واعتبر التقرير، أنَّ المعوقات الرئيسية للتنمية في لبنان التي تمّ تحديدها في الدراسة التشخيصية المنهجية الخاصة بلبنان لا تزال قائمة، وهي استيلاء النخبة على السلطة تحت ستار الطائفية، والتعرّض للصراع والعنف. وأوجدت هذه المعوقات نظاماً سياسياً هشاً قاصراً، ودولة عاجزة عن عزل الصراع السياسي عن قدراتها للحكم وممارسة السلطة. وتُجسِّد إدارة الأزمات إلى أي مدى تآكلت قدرات نظم الحوكمة الرشيدة، وكذلك الشلل السياسي الذي أوجدته هيمنة النخبة. وفي هذا السياق، يستند تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة إلى 3 سيناريوهات محتملة – يمكن من خلالها أن تنشأ تسوية سياسية جديدة – وهي: الجمود السياسي، والحدّ الأدنى من التوافق في الآراء، والتحول السياسي. ويفرض كل سيناريو مجموعة مختلفة من القيود والمعوقات والفرص، لبلورة برنامج عمل البنك الدولي.
ولفت الى أنّه «وفقاً للدعوات التي أُطلقت سابقاً، من الضروري أن يسارع لبنان في المرحلة المقبلة، إلى اعتماد خطة ذات صدقية لتعافٍ شامل ومنصف، لتحقيق الاستقرار المالي الكلي، وتسريع وتيرة تنفيذها لتفادي دمار كامل لشبكاته الاجتماعية والاقتصادية، وإيقاف الخسائر التي لا يمكن تعويضها في رأس المال البشري».
في ظلّ هذه الظروف، من اقتصاد متدهور وبيئة سياسية يشوبها عدم اليقين، يقوم تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة بتحديث إطار الشراكة الاستراتيجية، لجعله أكثر تركيزاً على الناس، مع توخّي مزيد من الانتقائية في مجموعة ضيّقة من القطاعات التي تعود بالنفع بشكل مباشر على الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً ومنها اللاجئون، وإرساء العناصر الأساسية لبرنامج إصلاحي. ويُعدِّل تقرير مراجعة الأداء والدروس المستفادة المجالات ذات الأولوية لإطار الشراكة الإستراتيجية وإطار نتائجه. ويهدف هذا التعديل إلى تدعيم استجابات التصدّي للأزمات، وتخفيف آثارها الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ العناصر الأساسية لمعالجة التحدّيات الهيكلية الكامنة في مجال الحوكمة والنموذج الاقتصادي».