يطلّ شهر رمضان المبارك هذا العام متزامناً مع زمن الصوم عند الطوائف المسيحية، في ظل أقسى الظروف المعيشية والإجتماعية التي تمرّ على اللبنانيين منذ بدء الأزمة الإقتصادية وقلبت حياتهم رأساً على عقب. يسابق الدولار الليرة اللبنانية مسجّلاً عليها زيادة أصفار، ويدخل معه البلد في إنهيار غير موصوف، لم يسبق أن وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم، فيما يعيش اللبناني حالة إرباك وحسرة وتفكير في كيفية تدبّر أموره خلال المرحلة المقبلة.
محزنٌ ما يعيشه اللبنانيون ومخزٍ ما يفعله السياسيون، يقفون وقوف المتفرّج على إنهيار البلد وإنكسار المواطنين أمام كلّ المجريات والأحداث، العاجزين عن تأمين متطلبات حياتهم التي تزداد أعباؤها يوماً بعد يوم، يقتصدون في كل ما يمكن الإستغناء عنه، يتدبّرون أمورهم بـ»طلوع الروح»، حتى باتت ربطة الخبز يحسب لها ألف حساب، وتوضع لها ميزانية شهرية.
أيام قليلة تفصل اللبنانيين من الطوائف الإسلامية عن صوم شهر رمضان، يلتقون مع أبناء الطوائف المسيحية في العبادات والظروف الصعبة والغلاء الذي يستعر يوماً بعد آخر، ومعه أصبح تأمين موائد الإفطار مكلفاً، ولم تعد نظرية تجهيز أي طبخة للإفطار تسري على الواقع، فكلّ وجبة مهما كانت بسيطة باتت تكلف مبلغاً مالياً لا يستهان به. وتبعاً لارتفاع سعر صرف الدولار ترتفع الأسعار يومياً، بعدما سارت المحال والسوبرماركت بتعليمات وزارة الإقتصاد في تسعير السلع والبضائع بالدولار، على أن تباع وفق سعر الصرف اليومي، ما يضع المواطنين أمام تحدّي عدم القدرة على مجاراة الغلاء وارتفاع الأسعار الذي يشمل مختلف السلع، من الخضار والفاكهة، إلى اللحوم والدجاج، والأرز والحبوب وكل ما تحتاجه موائد الطعام.
أن يستغني الناس عن شراء اللحوم بعدما وصل ثمن كيلو لحم العجل إلى مليون ومئة ألف ليرة، وسعر كيلو لحم الغنم إلى مليون ونصف وهو ما يوازي نصف راتبٍ لمتقاعد، فهو أمر طبيعي طالما أنه يمكن التعويض عنه بالدجاج، لكن الأخير لم يسلم في بورصة الأسعار وبلغ حدود الـ400 ألف ليرة لبنانية، وبات يمرّ على الكثيرين وعلى أطباقهم في الشهر مرّة أو مرّتين، لكن أن يصل الحال بالناس إلى الاستغناء عن الخضار فهو أمرٌ خارج المألوف، ودليلٌ على الحال التي وصلوا اليها من إنعدامٍ لقدرتهم الشرائية في زمن تفلّت الأسعار والغلاء، وإنخفاض انتاجيتهم ورواتبهم.
أكثر من 300 ألف ليرة بالحدّ الأدنى، بات يكلّف طبق الفتوش هذا العام لعائلة مكوّنة من خمسة أشخاص، فثمن أسعار الخيار والبندورة يزيد عن 50 ألفاً، والخسة الواحدة بـ40 ألفاً، وما بينها ثمن ربطة الحشائش على اختلافها 15 ألف ليرة. بهذه الكلمات تشرح سيدة، صودف وجودها في محل لبيع الخضار، واقع الحال في رمضان، مشيرةً إلى أنّ «هذه الأسعار ستزيد حتماً في الشهر الفضيل، إضافةً إلى غلاء الأصناف الأخرى التي يمكن أن نجهّز منها أطباق الإفطار في ظلّ غياب اللحوم، فثمن كيلو البطاطا 30 ألفاً والبصل 150، وغيرها أصناف كثيرة، حتى اللوبيا لم نعد نستطيع الحصول عليها بعدما وصل ثمن الكيلو منها إلى 300 ألف، وأصبحت كاللحوم وبات شراؤها مستحيلاً، كذلك الحبوب التي لا يقل ثمن الكيلو من أي صنف عن 150 ألفاً»، خاتمةً بأنّ «هذا الواقع يتعمّم على الكثيرين الذين لا قدرة لهم على مجاراة الغلاء وتأمين متطلّبات رمضان، حتى التمر الذي يعتمده الصائم للإفطار عليه سيغيب هذا العام عن موائدنا. في المقابل تجد العديد من الناس تدفع ثمن بضاعتها بالدولار ولم تتأثّر بالواقع الحالي، وسيمرّ عليها رمضان كباقي أيام السنة».