هل كان من الحكمة الاقتصادية تقييد السحوبات من المصارف بالليرة اللبنانية «بالجملة» بما في ذلك منعها عن قطاعات الانتاج التي لا تتحوّل السيولة لديها بالعملة الوطنية الى حالات جانبية تضخمية بل الى ثمرات انتاجية، عكس الاستيرادات الاستهلاكية التي بقدر ما تنفق من الليرات تنتج التضخم وترفع الأسعار وتشل النمو وترهق الاقتصاد، وتتسبب بانخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية.
صحيح ان مصرف لبنان كان في «مأزق» الخيار بين ترك التضخم يجتاح القوة الشرائية لليرة اللبنانية وبين الحد من السحوبات بالليرة منعا للتضخم ووقف مسلسل طبع المزيد من الليرات، فاختار «أهون الشرين» هو الحد من السحوبات، الا انه كان ربما بالامكان الحفاظ على دفق السيولة بالليرة لقطاعات الانتاج بما يؤدي الى زيادة النمو والحد من موجة الفقر والبطالة.
والسؤال: الى متى سيبقى الاقتصاد – خصوصاً مع الاجراءات الأخيرة في الحد من السيولة – في حال «اختناق» بسبب توقف المصارف عن التسليف بكل ما ذلك من «كربجة» الأعمال وصرف عشرات آلاف العمال باتجاه جيش البطالة والعوز والفقر؟
أي وباختصار، الى متى تبقى الأولوية للسياسة النقدية على حساب السياسة الاقتصادية والاجتماعية؟!
الجواب عادة أن الحل هو في انتظار الدفق النقدي المرتقب من صندوق النقد الدولي ودول مؤتمر سيدر، لكن في وجه هذا «الترياق المالي» المرتقب عقبات منها تراجع الثقة التي تحتاج لاستعادتها الى أكثر من مجرد إضافة قروض الى قروض، والى تغيير نظام المحاصصات والمحسوبيات الذي لا تنفع له «دفعات نقدية دولية» على أقساط سنوية قد تحد من الانهيار وارتفاع الدولار، لكنها لن تمنع الانفجار لدى شعب بات أكثر من نصفه في خانة الفقر، وأكثر من ربعه في حالة الفقر المدقع، ومربعات عديدة باتت في خانة الجوع!