بعد أقلّ من شهر على تسلّمه مهام الحاكمية، كشف حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، عن أرصدة الموجودات الخارجية السائلة أو ما يمكن تسميته «مخزون السيولة بالعملة الأجنبية» مقابل الالتزامات المترتبة عليها. أهميتها أن صافي الموجودات السائلة يبلغ 7303 ملاييسن دولار. أما تكوينها فيظهر، لأول مرّة، سندات اليوروبوندز بقيمتها السوقية التي تساوي 7.25% من قيمتها الاسمية، ويكشف أنه تبدّد من قيمة «حقوق السحب» 89%. لكن ما بقي مستوراً في أرصدة الالتزامات، كمية الأموال الشهرية أو السنوية المتوجّب تسديدها تطبيقاً للتعميم 158 رغم التزام البيان بتسديدها من هذه الموجودات.
يأتي بيان منصوري استكمالاً للفصل بين ما هو «رديء» وما هو «فريش»، أي ما هو قديم وما هو جديد. فهو بشكل واضح عبارة عن «كابيتال كونترول» يقيّد استعمالات مخزون مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، لكنه بشكل أقلّ وضوحاً يكرّس تقييد توظيفات المصارف لديه (الودائع التي أخذتها المصارف من الزبائن ووظيفتها لديه) باعتبارها أصولاً «رديئة» لم تلحظ في البيان، مع أنها التزامات عليه. وهذا ما يميّزها عن «الفريش» القابل للاستعمال والتحويل إلى الخارج. يكاد البيان يقترب من الاعتراف بالقيمة السوقية لهذه الودائع بوصفها القيمة الفعلية التي لا تتجاوز 15% من قيمتها الاسمية.
ولا شكّ بأن الكشف عن الموجودات وما يقابلها من التزامات يترتّب على مصرف لبنان تسديدها، يعدّ خطوة مهمة نحو مراعاة المبادئ التي تحكم عمل المصارف المركزية، أي الشفافية والتواصل مع الأطراف الخارجية. لكن المراكمة في هذا المجال تتطلب أيضاً تجاوز هذه المسألة نحو نشر الكثير من المعطيات التي يفتقدها السوق لتحليل الأوضاع المصرفية والنقدية بشكل أكثر وضوحاً وذي معنى. فعلى مدى أكثر من 27 عاماً، كان حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، متسلّحاً باستقلالية جعلته منيعاً تجاه كل الآخرين، سواء في السلطة السياسية التي فوّضته ولم تسائله، أو تجاه السلطة القضائية التي «اشتراها» بالقروض والتنفيعات. فقد كان نادراً أن ينتفض سياسي ما، سواء كان مستقلّاً أو في أيّ حزب، للسؤال عن كلفة السياسات النقدية وأثرها على الاقتصاد، تماماً كما كان نادراً أن يدّعي أحد القضاة عليه، رغم كل الشبهات التي تثار ضدّه محلياً وخارجياً.
في الواقع، إن قانون النقد والتسليف يتيح إقالة حاكم المصرف إذا ارتكب خطأً فادحاً. لكن رغم كل ما قيل، لم ينتفض أيّ نائب عام مالي، أو أي لجنة نيابية، أو الحكومة، تشكيكاً في ما إذا كانت الهندسات المالية هي خطأ فادح مكشوف للجميع، ولا في اختلاس المال عبر «فوري» الذي صار متداولاً في العلن منذ أكثر من سنتين، على ألسنة اللبنانيين والأوروبيين والأميركيين، ولا في الكثير من برامج القروض للمصارف وترتيبات الدمج وسواها.
في المجمل، أظهرت الأرقام أنه في جانب الموجودات الخارجية السائلة، لدى مصرف لبنان نقداً في الصندوق بقيمة 1530 مليون دولار، وحسابات جارية بقيمة 3114 مليون دولار، وودائع لأجل بقيمة 3711 مليون دولار، فضلاً عن أوراق مالية دولية (تحمل تصنيفاً دولياً عالياً وهي قابلة للتسييل سريعاً وتدرّ فوائد) بقيمة 218 مليون دولار. لم يقل البيان أين تتوزّع هذه الأموال، إنما يقال إن الحسابات الخارجية موزّعة على عدة مصارف في أكثر من عاصمة أوروبية.
وضمن الموجودات، إنما بشكل منفصل عن الحساب النهائي، جرى إدراج قيمة أسهم سندات اليوروبوندز بقيمتها السوقية البالغة 387 مليون دولار مع إشارة إلى أن قيمتها الاسمية تبلغ 5212 مليون دولار.
في جانب المطلوبات، أو الالتزامات التي يتوجب على مصرف لبنان تسديدها بالدولار «الفريش»، أي تغطيتها بأصول ذات تصنيف مماثل لتصنيف الموجودات، تبيّن أن للقطاع العام حساباً بالدولار الفريش بقيمة 275 مليون دولار توضع فيه إيرادات الاتصالات والمرفأ والمطار وسواها، وحساباً للقطاع المصرفي بالدولار بقيمة 8 ملايين دولار، وهو ناتج من التعميم الأخير الذي فرض على المصارف إجراء المقاصة بالدولار الفريش. كذلك تبيّن أن حقوق السحب الخاصة تناقصت من 1.135 مليار دولار إلى 125 مليون دولار، أي طار منها 1.01 مليار دولار. وإضافة إلى ذلك يترتب على مصرف لبنان التزامات طويلة الأجل وخاضعة للفوائد بسبب قروض لجهات عربية وودائع عربية لديه.
ما لم يُذكر في المطلوبات هو قيمة المبالغ المترتبة لتطبيق التعميم 158 الذي يفرض على مصرف لبنان تسديد نصف قيمة الودائع المصرفية ضمن سقف 10 آلاف دولار سنوياً لكل وديعة بقيمة شهرية تبلغ 400 دولار (لاحقاً جرى تعديلها إلى 300 دولار). ليس واضحاً ما هو المبلغ المترتب على مصرف لبنان، إنما الحسابات كانت تشير إلى أن الودائع المؤهلة قيمتها 10.5 مليارات دولار، ربعها يدفعه مصرف لبنان بالدولار النقدي، أي ما يوازي 2.6 مليار دولار كانت تدفع على أساس 400 دولار شهرياً لكل حساب، فيما ستحصل الحسابات الجديدة على 300 دولار فقط.