قبل بضعة أشهر حاول وزير الاتصالات جوني القرم تعديل شروط «عقود الوساطة» لدى شركة «تاتش» بهدف إدخال وسطاء جدد لأن الوسطاء الحاليين «زعران». تركّزت المحاولة حول مدى قانونية إجراء مناقصة لتلزيم عقود الوساطة، فوجد الوزير نفسه أمام خيارين: مواصلة تطبيق الآلية الحالية «غير التنافسية» التي تحدد مواصفات مقابل عمولة محدّدة مسبقاً، أو تلزيم العقود وفق مزايدة تحدّد فيها المواصفات مقابل من يدفع أكثر. الوزير أبقى الآلية الأولى، بينما هو يدفع في اتجاه منح التراخيص لشركات جديدة ليست مطابقة للمواصفات، وهو ما أثار الريبة في محاولة الوزير استبدال الوكلاء أو الوسطاء لأنه فقط يريد إدخال شركات جديدة لمنحها احتكاراً أو لمنحها حصّة من السوق.في أيار من السنة الجارية، أوعز الوزير إلى شركة «تاتش» أن تعدّ رسالة لهيئة الشراء العام لاستيضاح رأيها في شأن عقود وسطاء البيع ومدى خضوعها لقانون الشراء العام. وقالت «تاتش» إن هذه العقود تتضمن وكالة بيع خدمات ومنتجات مثل الخطوط وبطاقات إعادة التعبئة وخدمات تبديل الشرائح لقاء حسم أو عمولة، وإنه لدى الشركة 21 عقداً من هذا النوع من شركات توزيع تم اختيارهم من دون مناقصة ومن دون مزايدة في عام 2012 عبر تحديد شروط ومواصفات لاختيار هذه الشركات. وقبل 2012، كانت هناك 16 شركة مختارة لدى «تاتش»، إنما في آب 2012 حدّدت شروط جديدة فتقدمت 24 شركة مطابقة للشروط ووقعت عقوداً معها، ثم اختيرت شركات جديدة لاحقاً فيما أغلق بعضها الآخر.
ردّت الهيئة بأن شركة «تاتش» تخضع لقانون الشراء العام، وبذلك تعدّ «العقود التي تجريها خاضعة لقانون الشراء العام إذا اتصفت بصفة «عملية شراء» وفقاً لأحكام الفقرة 2 من القانون والمعرفة بأنها حيازة الجهة الشارية لوازم أو أشغالاً أو خدمات».
لكنّ تجار الخلوي اعترضوا على ذلك، مشيرين في كتاب موجّه إلى الشركة سلّمت نسخة منه إلى هيئة الشراء العام، بأن عقودهم مع شركتي الخلوي مختلفة بتوصيفها عن تلك التي نصّ عليها قانون الشراء العام، وأرفقت نسخة من هذه العقود وشروطها والملاحق المتعلقة بها مع طلب مراجعة. هكذا، خلصت الهيئة إلى أن كتاب تجار الخلوي يتضمن تفاصيل إضافية عن العقود الموقعة معهم لم تكن واردة في كتاب «تاتش»، إذ تبيّن أنّ آلية اختيار الوسطاء أو الوكلاء «ليست آلية تنافسية على اختيار الوسيط أو الوكيل الذي يتقاضى الأقلّ عمولة، وهي الآلية الخاضعة لقانون الشراء العام كونها تتعلق بشراء خدمات على أساس السعر الأدنى»، بل هناك آلية مختلفة تتضمن تحديداً مسبقاً لشروط التأهيل لإعطاء صفة الوسيط أو الوكيل «على أن يتقاضى الوسيط أو الوكيل نسبة مئوية على خدمات الوساطة والوكالة، وهذه النسبة تطبق من حيث المبدأ على الجميع بذات الطريقة وذات المعدلات». لذا، خلصت الهيئة إلى أن هذه الآلية «لا تتعلق بعملية شراء تنافسية خاضعة لقانون الشراء العام، وإنما يتعلق الأمر بسياسات وإستراتيجيات المبيعات وهو أمر تقرّره الشركة انطلاقاً من دراسة السوق والمعطيات المتوافرة عنها وحجم مبيعاتها وخططها ورؤيتها المستقبلية». وهذا الأمر يضع الشركة أمام خيارين:
– مواصلة الشركة القيام بما تقوم به حالياً، أ] إعطاء صفة الوسطاء والوكلاء بالاستناد إلى اعتبارات نظامية مقابل عمولات مطبقة على الجميع بالتساوي.
– تلزيم جباية إيرادات الشركة أو ثمن بيع المنتجات أو الترويج للخدمات مباشرة إلى وسطاء أو وكلاء يتم اختيارهم بطريقة تنافسية على قاعدة من يقدّم السعر الأدنى، وهذا يخضع لقانون الشراء العام.
القرم قرّر أن يبقى ضمن السلوك الأول، وفق عدد من تجار الخلوي، فإن هدفه توزيع رخص وسيط أو وكيل جديدة لجهات لا تستوفي الشروط. فهناك، مثلاً، شركة مؤسسة حديثاً يملكها محام من زغرتا، ليس لديه أدنى خبرة في البيع والتوزيع، لكن القرم أراد منحه ترخيصاً ليكون وسيطاً لشركة «تاتش». وهناك شركة ثانية أيضاً بالمواصفات نفسها وهي مملوكة من شخص أصوله في البقاع الغربي. وفي مشروع العقد الذي حاول الوزير تسويقه، يمنح الوسطاء الجدد مهلة ثلاثة أشهر تجريبية، ما دفع نقابة الوسطاء إلى إبلاغه بأن وجود 52 شركة تعمل في هذا المجال لا يعدّ احتكاراً يحاول الوزير كسره، كما أنه ليس حقلاً تجريبياً لممارسة الأعمال، فإما تنطبق المواصفات أو لا تنطبق.