مراحل كثيرة من مشروع استيراد الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، أُحرِقَت من دون أن يستفيد لبنان منها. ومع أن عراقيل جمّة تشوب المشروع، تواصل وزارة الطاقة تنفيذ الإجراءات الإدارية، ومنها توقيع الاتفاق مع مصر، بعد نحو 5 أشهر من توقيع الجزء الخاص بالكهرباء الأردنية، بين لبنان والأردن وسوريا. فهل يعني إنجاز الاتفاقيّتين مع الأردن ومصر، إنهاء الملف وبدء التصدير وتغيير واقع الكهرباء في لبنان؟
إنجاز نظري
تسعى وزارة الطاقة إلى تحقيق انتصارات، من دون أن تنجح في زيادة ساعات التغذية الكهربائية. وتنظر الوزارة إلى توقيعها، يوم الثلاثاء 21 حزيران، اتفاق استجرار الغاز، على أنه انتصار جديد، يحرّك ركود الملف العالق عند توقيع الاتفاق مع الأردن، بعد أن كانت الوزارة تجزم بدء توريد الكهرباء في شهر آذار الماضي.
الاتفاق مع مصر سيحسّن الكهرباء بمعدّل 4 ساعات، كما يأمل وزير الطاقة وليد فيّاض، وذلك بانتاج 400 ميغاوات من خلال استغلال 650 مليون متر مكعب، وهي الكمية المتبقّية بعد اقتطاع سوريا نسبة 8 بالمئة من الغاز الوارد عبر أراضيها.
فرحة التوقيع، سرعان ما تتقلّص. إذ يربط فيّاض بدء توريد الغاز بـ”انتظار التمويل من البنك الدولي وتذليل العقبات من الجانب الأميركي”، أي حسم مسألة استثناء المشروع من تداعيات قانون قيصر. وهذا االانتظار هو المعضلة الأهم والواضحة منذ بداية الحديث عن المشروع. وعليه، فإن “الضمانات النهائية من الولايات المتحدة الأميركية حول الاستثناء من العقوبات لتأمين تنفيذ المشروع”، تحيل المشروع إلى المجهول، وتنفي تأثير الجانب المصري. إذ أشار فيّاض إلى أن هذا الاتفاق “لم يكن ليحصل لولا تبني مصر للمشروع من اللحظة الأولى ومتابعته بتفاصيله ودعم كافة مراحله”. علماً أن مصر كانت تنتظر، منذ بداية الحديث عن المشروع، موافقة صريحة من الجانب الأميركي، استثناء المشروع من عقوبات قيصر، وهذه الموافقة لم تأتِ بعد. ما يجعل توقيع الاتفاق إنجازاً نظرياً لا يُتَرجَم إلاّ بتأمين التمويل وتخطّي قانون قيصر.
أبعد من ترسيم الحدود
العتمة شبه التامة التي يغرق فيها لبنان، جعلته لاحثاً وراء إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. فلبنان ينظر إلى كلام المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي تحدّث عن استغلال الفرص للخروج من الأزمة، على أنها وعود أميركية رسمية تربط الموافقة على الترسيم بتأمين التمويل والاستثناء من قانون قيصر. لكن الواقع لا يؤكّد هذه النظرة. إذ أن هوكشتاين لم يحمل رسالة رسمية بذلك، بل دعوة إلى “العقلانية”، علَّها تساهم في التخفيف من أزمة الكهرباء.
وهنا، تؤكّد مصادر متابعة للملف في الخارج، أن النظرة السلبية تتخطّى نتائج المفاوضات لتصل إلى قرار الكونغرس الأميركي الذي “لا يعير أهمية للمصلحة اللبنانية، وإن وافق لبنان على التنازل عن الخط 29 والقبول بالخط 23. فالكونغرس يقف عند قانون قيصر الذي أقرّه، ويفيد المصالح الأميركية التي من ضمنها قطع الطريق أمام إفادة النظام السوري، واستجرار الغاز والكهرباء يعني تطبيع العلاقات مع النظام وإفادته”. وتشير المصادر في حديث لـ”المدن”، إلى أن أي تعديل في هذه النظرة “يحتاج إلى مكاسب وتغييرات استراتيجية مستجدّة أمام الكونغرس، وهي غير متوفّرة بعد”.
التوقيع مع مصر هو اتفاق مبدئي، يقرّ عبره الجانب المصري بموافقته على بيع الغاز للبنان، لكنه لا يجزم ببدء البيع، لأنه مرتبط بموانع خارجة عن إرادة البلدين، أي لبنان ومصر. ولذلك، لا ساعات تغذية إضافية في المستقبل القريب. وكما توقّف المشروع أشهراً بعد توقيع جناحه المتعلّق بالأردن، قد يتوقّف لأشهر إضافية بعد التوقيع مع مصر.