بعد أشهر من التفاوض والرحلات الممتدة بين مصر والأردن وسوريا ولبنان، أُنجز عقد استيراد الغاز من مصر عبر خط الغاز العربي الذي يمرّ في سوريا. الجدوى الاقتصادية والاجتماعية متوافرة لدى لبنان، إنما المشكلة في التمويل والجدوى السياسية. إذ ليس مسموحاً للبنان الحصول على قرض من البنك الدولي لتمويل ثمن الغاز، وليس مسموحاً لمصر توريد الغاز إلى لبنان عبر سوريا، من دون الإعفاء الأميركي الذي يفترض أن يُمنح للبنان ومصر وللشركات العاملة على هذا الخط، من خطر عقوبات ما يسمّى «قانون قيصر» – وهو قانون أميركي للابتزاز السياسي.
في زيارته الأخيرة إلى لبنان، سئل المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين، عن سبب امتناع البنك الدولي عن تسريع إنجاز ملف إقراض لبنان المبالغ اللازمة لاستيراد الغاز من مصر ونقله عبر سوريا في الأنابيب التي تنطلق من العريش في مصر إلى دير علي في سوريا، ثم تصدّر سوريا كميات مماثلة من أحد حقول حمص إلى لبنان.
أجاب هوكشتين: أنتم أنجزوا العقود، وأنا سأتابع الملف في الإدارة الأميركية ومع البنك الدولي. ورغم أن إنجاز العقد لم يكن ضمن مرحلة «شروط التفاوض» التي تسبق «شروط الفعالية» أو التنفيذ، كما هو متفق عليه مع لبنان، إلا أن وزير الطاقة وليد فياض تمكّن من إنجاز كل ما يجب إنجازه على مستوى البنية التحتية، والخطوات التقنية في عملية الصيانة والتجارب للخط، ثم في عملية التفاوض على التسعير والكميات، وصولاً إلى توقيع العقد. يأمل فياض في أن يتم تسريع إنجاز عملية التمويل والإعفاءات المطلوبة من أميركا، إذ إن العقد سيخضع للدرس من البنك الدولي في سياق رسم مخطّط مالي لعملية التمويل، على أن يتم عرض هذا المخطّط على الإدارة الأميركية، وهي بدورها ستدرس كل الملف وتقدم إجابة تتضمن منح موافقتها أو رفضها، للاستثناء المطلوب من قانون قيصر. وهذا الاستثناء، إذا وافقت الإدارة الأميركية على إصداره، سيشمل الدول التي سينتقل منها الغاز إلى لبنان عبر سوريا، أي مصر والأردن، وسيشمل الشركات العاملة في هذه العملية. لكن العقد التجاري، ومخطط التمويل لا يمثّلان كامل الملف الذي سيعرضه البنك الدولي على الإدارة الأميركية، بل سيتضمن الملف دراسة جدوى سياسية أعدّها البنك الدولي لهذا المشروع وأظهرت له أن الاستفادة لن تقتصر على مصر والأردن ولبنان، بل ربما ستفيد الحكومة السورية التي ستنتفع من كلفة نقل الغاز عبر أراضيها.
على أي حال، إن العقد الموقع بين لبنان ومصر، يتضمن الآتي: سيتم توريد نحو 702 مليون متر مكعب سنوياً من الغاز، وستكون حصّة لبنان 650 مليون متر مكعب سنوياً، بينما حصّة سوريا 52 مليون متر مكعب. حصّة سوريا في هذا الغاز هي البديل من كلفة النقل عبر أراضيها.
وستتيح الكمية التي سيحصل عليها لبنان من إنتاج قدرة كهربائية صافية بمعدل 400 ميغاوات يومياً، أي ما يعادل تغذية بالتيار الكهربائي لفترة 4 ساعات يومياً. أما كلفة الغاز فهي تخضع لمعادلة تسعير تتضمن عناصر ثابتة وأخرى متغيّرة؛ العنصر الثابت هو 5.5 دولار لكل «مليون وحدة حرارية بريطانية» (وحدة قياس عالمية تستعمل بالاستناد إلى فعالية الإنتاج، للوصول إلى كلفة الكيلوات ساعة، إذ إنه بمعدل يتراوح بين 7 دولارات و10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، يمكن إنتاج كيلوات ساعة بكلفة تتراوح بين 6 سنتات و8 سنتات). بينما العنصر المتغيّر يستخرج بنسبة 10% من الفرق بين سعر برميل النفط برنت عند الاتفاق (كان 70 دولاراً) والسعر العالمي السائد (114 دولاراً). وتضاف إلى ذلك كلفة نقل عبر الأردن بمعدل 1.4 سنت. وبموجب هذه المعادلة، وبناء على العناصر المتغيّرة التي تكمن في أن يكون الحدّ الأدنى للسعر 7 سنتات لكل كيلوات ساعة، والحدّ الأقصى يبلغ 10.25 سنت لكل كيلوات ساعة، أي أنه مهما انخفض السعر العالمي، ومهما ارتفع سيبقى السعر بين هذين الحدّين، فإن الكلفة المقدّرة على لبنان ستكون بحدود نصف الكلفة الحالية لتشغيل المعامل بواسطة الفيول أويل، والبالغة 15 سنتاً لكل كيلوات ساعة (7.5 سنت كمعدل)، مضافاً إليها هدر تقني وسرقة تيار، أي ما يعادل 30 سنتاً، بينما سيكون مجموع كلفة الإنتاج بواسطة الغاز نحو 20 سنتاً.