يمشي الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي “مترنّحاً”، بعدما “تجرّع” مكرهاً “كأس” الأزمة المر. يُموّل الضمان من 4 مصادر رئيسية: مساهمة الدولة، إشتراكات أرباب العمل والعمال، توظيفاته المصرفية، ومنها عوائد سندات الخزينة. ويوزع في المقابل الإيرادات على 3 فروع: التعويضات العائلية، المرض والأمومة ونهاية الخدمة. الإختلال بين الإيرادات والنفقات من جهة، وداخل بنية النفقات من الجهة الثانية، ظل محمولاً حتى نهاية العام 2019. فمع بداية الأزمة إنقلبت المعادلة رأساً على عقب. ديون الضمان على الدولة ارتفعت إلى 4800 مليار، ومساهمة أرباب العمل ما زالت 8.5 في المئة من الأجر، واشتراكات العمال تراجعت نتيجة توقف الأعمال وارتفاع حالات الصرف. أما توظيفاته التي تتجاوز 11 ألف مليار ليرة في سندات الخزينة والحسابات المجمدة المدينة، فتراجعت عائداتها بنسب كبيرة مع انخفاض الفوائد وإعلان الدولة إفلاسها وتوقفها عن سداد ديونها. على المقلب الآخر، يستمر تمويل فرع المرض والأمومة العاجز بأكثر من 4000 مليار ليرة من صندوق نهاية الخدمة، والأخير يعاني من طلب غير مسبوق على سحب التعويضات. حيث صفى نحو 13630 عاملاً تعويضهم لغاية منتصف العام 2020 مع التوقع أن يكون قد وصل الرقم إلى نحو 30 ألفاً لغاية نهاية العام الماضي.
الضمان الإجتماعي بما يمثل من حاجة ضرورية، لا يعيش على جزيرة منفصلة عن الواقع. وهو لن يستطيع الإستمرار ما لم يترافق تصغير حجم وكلفة الخدمات مع التراجع الهائل في حجم الإقتصاد. في الوقت الذي بدأ فيه الكثير من المستشفيات تسعير الخدمات الطبية على أساس سعر صرف 3900 ليرة، ما زالت نسبة الإدخال إلى المستشفيات على نفقة الضمان الإجتماعي تبلغ 23 في المئة، مقارنة مع 13 في المئة في شركات التأمين الخاصة. هذا الفرق المقدر بحدود 10 في المئة “يجب تظهيره وتبريره”، بحسب واكيم. فـ”هل السبب هو ارتفاع نسبة كبار السن المضمونين بالمقارنة مع الشباب؟ أم أن هناك فوضى وعدم رقابة جدية مع المستشفيات؟ إذ لا إحصاءات بين أيدينا كأعضاء مجلس إدارة للإجابة على هذه التساؤلات”.
المشكلة الصحية لا تقف على أعتاب الضمان الإجتماعي بل “تطال كل الجهات الضامنة ابتداء من وزارة الصحة مروراً بتعاونية موظفي الدولة والطبابة العسكرية وصولاً لصناديق التعاضد”، يقول رئيس “إتحاد صناديق التعاضد الصحية” غسان ضو. “مع العلم أن مشكلة الضمان قد تكون الأكبر نتيجة حجمه، ودوره الذي يتخطى الضمان الصحي إلى التعويضات العائلية ونهاية الخدمة، أولاً، ونتيجة الخطأ المعيب الذي ارتكب بحقه بـ”إقناعه” بتوظيف مدخراته بسندات الخزينة ثانياً”. وما يحصل أن تكلفة التعرفة الطبية المتفق عليها بين المستشفيات والجهات الضامنة تدفع من قبل الأخيرة بأقل من قيمتها الفعلية اليوم بنحو 11 مرة. ما يجبر المستشفيات على تقاضي الفرق من المريض. هذا الوضع “لم تعد تنفع معه الحلول بالتجزئة”، بحسب ضو. و”أصبح يتطلب مؤتمراً وطنياً عاماً.