مرّة جديدة، يحاول من تبقّى من السلطة السطو على ما بقي من اموال المودعين بدل البحث عن خطة لإعادة الأموال المسلوبة والمهدورة إلى أصحابها.
ها هي بقايا السلطة تمعن في إقفال ابواب المداخيل الشرعية إلى الخزينة من خلال سوء ادارتها وعدم محاسبتها، وعلى سبيل المثال، تستمر في اقفال الدوائر العقارية في جبل لبنان وتضرب مصالح المواطنين عرض الحائط وتحرم الخزينة من مداخيل هي في أمسّ الحاجة اليها.
وها نحن أمام محاولة جديدة وتحت عنوان الضرورة» التي لن ننتهي منها، لسرقة موصوفة لما تبقّى من اموال المودعين الموجودة كأمانة لدى مصرف لبنان.
وفي التفاصيل، أنجزت حكومة تصريف الأعمال «خطة طوارئ» استعداداً لأي حرب موسّعة محتملة تشنّها اسرائيل على لبنان، وكلّفت الحكومة وزير البيئة ناصر ياسين بترؤسها، فاستطاعت وضع اطارٍ مسبق عبر التنسيق المتكامل بين المؤسسات على المستويين المركزي والمحلي، مع ايجاد ترابطٍ مع المنظّمات الدولية العاملة في لبنان.
لكن مشكلة تمويل الخطة استولدت أزمة: من أين سيكون مصدر الاموال؟
اعتادت الحكومات اللبنانية ان تطلب من مصرف لبنان المركزي تأمين حاجاتها المالية عبر مدّ اليد على اموال المودعين. لكن حاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري رفض منذ استلامه مهامه ونواب الحاكم بشكل حاسم أي طلبات حكومية للمسّ بتلك الأموال، وهو ما ينطبق على كل المراحل، بإعتبار انّ منصوري مؤتمن على اموال هي ليست ملك «المركزي» ولا الدولة اللبنانية، بل هي تشكّل جزءاً من اموال المودعين.
ورغم مرور ثلاثة اسابيع على الحرب القائمة على الحدود الجنوبية، وجهوزية خطة الطوارئ الحكومية استباقاً لأي اتساع في دائرة الحرب، لكن لم يتحدّد مصدر الاموال التي تحتاجها تلك الخطة والتي تُقارب قيمتها 400 مليون دولار، علماً انّ سلفة الخزينة التي تمّت مناقشتها في اللجان النيابية هي 200 مليار ليرة لبنانية، اي ما يزيد قليلاً عن مليوني دولار فقط.
يقول رئيس خطة الطوارئ وزير البيئة ناصر ياسين في إطلالاته الاعلامية إنّ «هناك عدة مصادر للتمويل منها الخزينة»، لكن ياسين طالب حاكم «المركزي» بصرف مالي لزوم متطلبات الخطة، بما أوحى انّها محاولة الحكومة لحشر الحاكم بالإنابة تحت عنوان الحاجة الطارئة في الحرب. وقال ياسين: «مع احترامي للحاكم منصوري، هل ستقف الظروف الاستثنائية التي ستحصل أمام صرف بعض الأموال؟». ورأى وزير البيئة انّ «حماية الناس اهم من الأمور الأخرى»، قاصداً بتلك الامور التزام منصوري بعدم الصرف المالي من اموال المودعين.
وإذا كان «المركزي» يرفض الدخول في جدل اعلامي، لكن يمكن الإستناد الى وقائع الاشهر الماضية، عندما كان منصوري عرض عشية استلامه الحاكمية بالإنابة ان تقوم الدولة اللبنانية بتشريع الصرف المالي في المجلس النيابي شرط ضمان إعادة الاموال، ثم طوى منصوري ورقة طرحه، وسط تباينات سياسية منعت عقد جلسات تشريعية لهذا الغرض، غير انّ الحاكم بالإنابة عمل على ضبط النقد في السوق، وقام بإجراءات لتأمين رواتب موظفي القطاع العام وحاجات المؤسسات الامنية والعسكرية بالدولار، ونظّم الأطر المالية بما حفظ الاستقرار من دون تكاليف واعباء، ونجح في فرض معادلته منذ اكثر من ثلاثة اشهر.
لذلك، فإنّ مصادر مطّلعة تتوقع ان يكون المخرج الوحيد لتأمين المتطلبات المالية لخطة الطوارئ هو في المجلس النيابي، عبر تشريع الصرف المالي لتلبية متطلبات خطة الطوارئ. فهل ستتوجّه الحكومة الى المجلس لطلب ذلك، خصوصاً انّ استسهال الطلب من «المركزي» لم يعد يُجدي في زمن منصوري؟
توحي كل المعطيات السياسية انّ التباين لا يزال قائماً بشأن اي خطوة تشريعية للمجلس، علماً انّ جهداً حكومياً او سياسياً لم يُسجّل في هذا الاطار. وإذا كانت الحكومة اقرّت خطة استباقية، فما هي قيمتها في حال عدم تأمين تمويلها؟ الا تستدعي الخطة ان تتحرّك الجهود السياسية المسبقة ايضاً؟
لا توجد اجابات حكومية واضحة لغاية الآن، بما يعني تجميد الخطة وبقائها بروباغندا اعلامية او حبراً على ورق من دون ركائز عملية.