أفرزت الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تحديات وفرصًا معقدة لاقتصادات دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، دفعتها إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية وتعزيز قدرتها التنافسية على الساحة العالمية.
ووقع وزراء اقتصاد دول التكتل، الذي يضم عشرة أعضاء، اتفاقية إطار عمل بشأن المنافسة في مسعى لتعزيز التزام التكتل الإقليمي بترسيخ مبادئ العدالة والشفافية والنزاهة في أسواقه.
وقام وزير الاستثمار والتجارة والصناعة الماليزي تنكو زفرول عبدالعزيز بصفته رئيس وزراء اقتصاد رابطة آسيان بتسليم وثيقة اتفاقية إطار عمل آسيان بشأن المنافسة إلى الأمين العام للرابطة كاو كيم هورن خلال مراسم التوقيع.
وقال عبدالعزيز إن “سياسة المنافسة لا تقتصر على تنظيم الأعمال التجارية فحسب، بل تهدف إلى تمكين الشعوب وضمان حصول المستهلكين على أسعار عادلة وإتاحة المجال أمام الشركات للتنافس على أساس الجدارة وتشجيع الابتكار في بيئة مفتوحة وشفافة.”
وأكد خلال مراسم توقيع الاتفاقية على هامش الاجتماع الـ57 لوزراء الرابطة في كوالالمبور أن الاتفاقية تقدم التزاما راسخا بإطار إقليمي يضمن العدالة والشفافية والمساءلة في أسواق آسيان.
وأشار إلى أنها تؤسس قاعدة قوية للتعاون وبناء القدرات بين هيئات المنافسة في المنطقة، بما يضمن أن جميع دول آسيان الأعضاء تتقدم معا.
وأوضح أن الاتفاقية تعكس أيضا وحدة آسيان ورؤيتها المشتركة وتعد دليلا واضحا على أن العمل المشترك قادر على التوصل إلى اتفاقات طموحة ومتوازنة وموجهة نحو المستقبل.
وتضم رابطة آسيان إلى جانب ماليزيا كلا من بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام، أما شركاء الحوار فهم الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة.
وتعد آسيان تكتلا إقليميا أسس عام 1967 لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين دول جنوب شرق آسيا ويبلغ عدد سكانه أكثر من 680 مليون نسمة فيما يقدر الناتج المحلي الإجمالي لدول الرابطة بنحو 3.4 تريليون دولار.
وفرضت رسوم ترامب ضغوطًا متزايدة على اقتصادات آسيان من حيث الحاجة إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية وتحسين بيئة الأعمال.
ويبدو أن التنافس على جذب الاستثمارات لا يقتصر على خفض التكاليف، بل يتطلب بنية تحتية حديثة، وبيئة تنظيمية مرنة، وكفاءة لوجستية عالية.
كما أظهر الصراع التجاري هشاشة بعض الاقتصادات الصغيرة أمام تقلبات الطلب العالمي، ما دفع حكومات المنطقة إلى التفكير بعمق في إستراتيجيات التنويع الاقتصادي وتوسيع الأسواق التصديرية.
وشدد عبدالعزيز في حديثه على أن التزام التكتل بسياسة المنافسة يبعث برسالة واضحة وإيجابية إلى العالم وسط التعقيد وحالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
وأكد أن هذه الخطوة تبرهن للعالم أن آسيان مستعدة للحفاظ على أعلى معايير الحوكمة ونزاهة الأعمال والشفافية لضمان بقاء المنطقة جاذبة وتنافسية وقادرة على الصمود أمام تحديات المستقبل.
والأهم، بحسب الوزير الماليزي، هو أن الاتفاقية تضع الإنسان في صميم أجندة آسيان الاقتصادية من خلال حماية المستهلكين وضمان تكافؤ الفرص بين الشركات وتعزيز العقد الاجتماعي بين اقتصادات دول الرابطة ومواطنيها.
3.4 تريليون حجم الناتج الإجمالي لدول رابطة آسيان التي تضم أكثر من 680 مليون نسمة
وتحاول دول آسيان توسيع رقعة تجارتها مع أعضاء جدد في مختلف أنحاء العالم، بما فيها أسواق الخليج ودول أفريقية مثل الجزائر، وأيضا الصين لتعزيز التنمية بشكل أكبر مع تنفيذها لبرامجها الإصلاحية من أجل تنويع مصادر الدخل.
ويشارك وزراء اقتصاد آسيان ضمن أعمال الاجتماع الـ57 لوزراء الاقتصاد والاجتماعات ذات الصلة مع شركاء الحوار بمشاركة أكثر من 500 مندوب لمناقشة سبل تعزيز التكامل الاقتصادي ومعالجة القضايا المتعلقة بالتجارة والاستثمار.
ومن المقرر أن يتجه الاهتمام إلى اجتماع وزراء الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة لتحضير جدول أعمال يرفع إلى القمة السابعة والأربعين لقادة آسيان وشركاء الحوار الشهر القادم.
كما ستعقد الدول الأعضاء في الرابطة مشاورات مع الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير لمناقشة القضايا المتعلقة بتنفيذ الرسوم أملا في التوصل إلى أرضية مشتركة في قطاعات مثل أشباه الموصلات والسلع الأساسية.
وفي أبريل الماضي فرض ترامب رسوما قاسية طالت ماليزيا وكمبوديا والفلبين وتايلاند وإندونيسيا فيما فرضت على فيتنام نسبة 20 في المئة وتلتها بروناي 25 في المئة وسنغافورة 10 في المئة، بينما وصلت النسبة في لاوس وميانمار إلى 40 في المئة.
وعلى الرغم من أن الحرب التجارية لم تكن موجهة مباشرة إلى دول آسيان، إلا أنها كانت بمثابة اختبار لقدرتها على التكيّف السريع والاستفادة من الفجوات التي خلّفها النزاع بين أكبر اقتصادين في العالم. كما ساهمت في تسليط الضوء على أهمية التكامل الإقليمي، لاسيما عبر اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (آر.سي.إي.بي).
وتعد الاتفاقية أكبر اتفاقية تجارة في العالم وتضم 15 دولة من بينها الدول العشر الأعضاء في آسيان إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا.



