مسار التنقيب عن النفط في لبنان، وسبب توقف شركة «توتال» عن الحفر وما إذا كانت هناك من شبهات حول تقريرها، وعدم وجود شركة وطنية تضاهي «توتال» في الموضوع التقني، إضافة إلى موضوع الطاقة البديلة حيث أنّ هذا القانون يُطبَّق بطريقة ضيّقة جداً لأنه لم يتمّ إنشاء الهيئة الناظمة لإدارة ملفّ الكهرباء… مواضيع تناولتها صحيفة «نداء الوطن» مع الخبيرة في قوانين وحوكمة الطاقة المحامية لمى حريز.
«أمرٌ لا يُطمئن»
بدايةً، حول وجود الغاز في لبنان من عدمه، تؤكّد حريز أنّ «مسوحات زلزالية أُجريت، وحصلت عمليتا حفر في البلوكين رقم 4 ورقم 9، لكن لم تظهر أي نتيجة إيجابية، وأكدت المعطيات العلمية الأكثر دقة من خلال عملية التنقيب أنّ المكان الذي أجري فيه الحفر لا وجود للغاز فيه. إلّا أنّ المُحيّر أن كل المتوسط في الدول المحيطة يحتوي على غاز، فلماذا لم نجد الغاز في البلوكيْن 4 او 9، علماً أنه بحسب «توتال» وهيئة قطاع البترول أُجري الحفر في البقعة الأمثل لإحتمال إيجاد مكامن الغاز، لكن تقنيّاً تبيّن أنّ الخزان لا يحوي شيئاً».
تضيف: «لدينا مرحلتان من الإستكشاف، الأولى والثانية، في كل مرحلة يجب حفر بئر. وبالتالي قامت «توتال» بما يلزم من جهتها وبإلتزاماتها العقدية وحفرت البئر وجاءت النتيجة سلبية، وكان يجب أن تُصدر تقريرها في المهلة القانونية في منتصف نيسان، وهذا ما لم يحصل حتى اليوم»، مشددة على أنّ «ثمة تساؤلات عن تأخرها، لكنها تُطمئن بأن الموضوع تقني وأنها تقوم ببحوث تقنية معمقة وأن ليس هناك من عراقيل، لكن لا يخفى على أحد بأن «توتال» تتعامل بعجرفة مع اللبنانيين وهذا أمر لا يُطمئن».
ضغوطات سياسيّة؟!
وعن الشكوك حول إستعمال الملف كورقة ضغط على لبنان، تُجيب حريز: «توتال شركة عالمية ومصداقيتها على المحكّ، ولذلك أشك بالأمر. غالبية المناطق التي تعمل فيها هي من دول العالم الثالث أو دول التنمية المستدامة، ولذلك ليست في أطر دولية فيها حوكمة رشيدة، وبالتالي ليس من مصلحة توتال أن تسيء سمعتها في لبنان. لكن هل هناك ضغوطات سياسية؟ بالطبع. الأمر مرتبط بأحداث غزة وما بعد غزة، فحتى لو انتهت الحرب لن يكون هناك حل سياسي، لأن المشكلة تتعدى غزة، وهي سياسية إقليمية. عندما رسّمنا الحدود ودخلنا في المفاوضات إعتقدنا أننا إقتربنا من إزالة العقبات الجيوسياسية، لكن تبيَّن أن العقبات السياسية لم تَزل قائمة، وما زلنا نُستَعمل كحجر في هذه اللعبة الإقليمية. والدليل على ذلك أن «توتال» في البلوكيْن 8 و10 قدمت عروضها، والجميع يعلم أنه عرض غير مُنزَل ويحق للدولة اللبنانية إبداء الرأي فيه، وأن توافق أو ترفض، وأن تفاوض وتعدّل فيه وتتوافق عليه. لكن «توتال» تشبثت برأيها ولم توافق على أي تعديل وضعته الدولة اللبنانية، علماً أنّ هذه التعديلات أُقرّت كما هي في مجلس الوزراء كما وصلتها من هيئة قطاع البترول. مجلس الوزراء سياسياً لم يعدل في التقييم الذي أُرسِل لها من هيئة قطاع البترول والذي هو تقييم تقني وعلمي، ولبنان تساهل كثيراً مع توتال في البلوكين 8 و10 وخفّف من الشروط أكان المالية أو التقنية، إلا أنّ «توتال» رفضت العرض وبالطبع هذا الأمر له علاقة بالسياسة».
العامل المادي يُغيّب الشركة الوطنيّة
وتقول: «لو كان لدينا شركة وطنية تُضاهي «توتال» في الموضوع التقني، لكانت جاءت هذه الشركة الوطنية وحللت المستوى في الطبقة الجيولوجية التي وصلت إليها، وقدّمت تقريراً حول ما إذا كان هذا الرمل يشبه رمل كاريش أم لا».
وما الموانع من تأسيس شركة وطنية؟ «العامل الوحيد مادي، لكن يمكن للدولة اللبنانية أن تدخل بشراكة مع القطاع الخاص وتجذب مستثمرين وتنشئ شركة وطنية، لأن هناك فرقاً بين الشركة الوطنية والهيئة الناظمة لقطاع البترول. الهيئة الناظمة تتابع الملف وتتابع العمليات مع «توتال» ساعة بساعة ويوماً بيوم وبأدق التفاصيل والدقائق. لكنها غير موجودة على المنصة، بمعنى انها لا تراقب كيفية حصول العمل لأن ذلك ليس من صلاحياتها. من هنا تكمن اهمية ان يكون لدينا الهيئة الناظمة والشركة الوطنية»، مشيرة إلى أنه «هنا أيضاً سبق وتقدّمنا بقانون لتعديل صلاحيات هيئة قطاع البترول، ففي النظام الداخلي يحق للدولة اللبنانية أن يكون لديها ممثل في اللجنة المؤلفة من الكونسورتيوم ويجتمع مع الكونسورتيوم عندما يرتأي ذلك، لكن ليس له أي دور لا برأيه ولا بالتصويت. نحن مع أن يكون هناك مشاركة الزامية للدولة اللبنانية في اللجنة المؤلفة من الكونسورتيوم لإدارة العمليات. لا نريد ان نصوّت كي لا نتحمل مسؤولية نتائج الافعال، كي لا تأتي توتال وتقول بأننا فشلنا ولم نجد لأنكم تصرفتم بهذه الطريقة او وضعتم الشروط التالية، إنما من المفترض ان يكون لدينا رقابة فعلية». وتسأل: «مثلاً، من يؤكد صحة المعلومات التي صدرت في التقرير الذي نُشر في إحدى الصحف، ومَن يُثبت ما إذا كانت توتال على صواب أم على خطأ؟ ليس لدينا تقنياً لجنة توازي توتال كي تحسم الوقائع ودقة المعلومات».
وتؤكد حريز أنّ «المعضلة الأساسيّة أننا لسنا عنصراً فعالاً في اللجنة لإدارة العمليات، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ليس لدينا شركة وطنية لتشرف على العمليات أو تشارك في لبنان. ما قمنا به هو أننا لزّمنا عقد مشاركة، لكن في هذا العقد لزّمنا العمل للكونسورتيوم، لكننا نتقاسم النتيجة. بينما عندما نلزم العمل للكونسورتيوم يجب أن يكون لنا دور فيه، وعندها نتحمل جزءاً من المسؤولية. تتحمّله الشركة الوطنية وليس الدولة اللبنانية، والتي هي شركة ذات طابع خاص إنما تابعة للدولة اللبنانية، وبالتالي لدينا مَن يجلس في الداخل على الطاولة ويراقب ويشارك العمليات من جهتنا ويعمل لمصلحتنا».
«الشركات الأخرى»ماذا عن الشركات الأخرى في الكونسورتيوم؟ تُجيب: «يجتمع الكونسورتيوم بشكل دوري في إطار العقد الموقع مع الدولة اللبنانية، لكن «توتال» هي المُشغِّلة operator بينما «ايني الإيطالية» و»قطر إنرجي» هما غير مشغلان non operator، وعملهما تقني أكثر. ولذلك يتم التواصل مع «توتال»، ومسؤوليتنا المباشرة معها».
ورداً على سؤال حول دورة التراخيص الثالثة التي تنتهي مهلتها في تموز وحتى اليوم لم تتقدم أي شركة، تُجيب حريز: «للأسف فتحنا دورة التراخيص الثانية وتقدمت فقط وفي آخر لحظة «توتال» والكونسورتيوم بعد أن مُدِّدت هذه الدورة لأكثر من أربع مرات. اليوم سنصل إلى تموز وأيضا ليس هناك أي إهتمام، علماً أن في السنوات السابقة كان هناك إهتمام من قبل شركات صينية، ليست فئة أولى كـ»توتال» لكنها شركات مهمة. كان لدينا عروض من توتال وقطر وإيني وشركات صينية فئة أولى، إضافة إلى إهتمام من شركات مستوى «ب» أي ليس لديها خبرة للحفر على عمق 4000 متر وهو العمق الذي نحفر فيه في لبنان. كان هناك إهتمام وإشترت الداتا وتواصلت اكثر من مرة مع الهيئة الناظمة وأرسلت لهم الهيئة كل المعلومات التي طلبوها، وكانت هناك إرادة للعمل. وعلمنا أيضاً أن الشركات الصينية تريد أن تدخل في البلوكات غير الحدودية، أي البلوكات رقم 5 و6 و7، لكن لسبب ما لم تتقدّم حتى».
وتعتبر حريز انه علينا ألا ننسى أن الشركات، بعد كورونا والجمود الإقتصادي، خففت من إستثماراتها وكانت تفضل التوجه إلى حوض بينت فيه إستكشافات وحصل فيه إستخراج فتذهب وتحفر في حقول بالقرب منه. وبالتالي، وبسبب التجربة الفاشلة في البلوكين 4 و9، اعتقد ان الشركات لم يعد لديها الشهية كما في السابق. لكن الأمل ما زال موجوداً بإيجاد النفط في بلوكات اخرى»، لافتة إلى أن «شهية الشركات تتأثر بالعوامل الإقتصادية والسياسية، وهذا ما لم يسمح للشركات الأخرى بالدخول الى المياه اللبنانية. لكن لا شيء يمنع في القانون أو السياسة أن نتعامل مع أي شركة».
تقنياً في حال عادت أعمال الحفر، متى يُمكن ان يظهر الغاز؟ «في حال إستئنافها، تستغرق الدراسة بين 3 و6 أشهر للتأكد من البقعة التي سيحفرون فيها ضمن هذا الحقل. عملية الحفر لا تستغرق أكثر من شهرين، وبالتالي يمكن الحصول على النتيجة ايجاباً او سلباً خلال هذه المدة، تماماً كما حصل في البلوكين 4 و9. حالياً ليس هناك من إحتمال لمباشرة «توتال» عمليات الإستكشاف في البلوك رقم 9 قريباً، والذريعة الاولى الاوضاع السياسية، لذلك في المدى المنظور، من اليوم وحتى سنة، لا أتصور أن يكون هناك أي عملية إستكشاف».
الطاقة البديلة
بالنسبة الى موضوع الطاقة البديلة، تشير حريز الى ان «مجلس النواب أقر نهاية العام الماضي قانون الطاقة المتجددة الموزعة الذي يسمح لأي مواطن لبناني وللمستثمرين من انتاج طاقة بديلة، سواء كانت شمسية او هوائية او «هايدروجين» (hydrogen) او ريحية او «بايوماس» (biomass) اي من النفايات، ان ينتج طاقة ويبيعها للدولة اللبنانية عبر شبكة كهرباء لبنان. هذا القانون يطبق بطريقة ضيقة جداً لأنه لم يتم إنشاء الهيئة الناظمة لإدارة ملف الكهرباء والتي هي موضوع القانون 462. لم تُنشأ هذه الهيئة لأسباب سياسية لن ندخل فيها لأنها تطول ومضى 20 عاماً وهي غير منشأة. المُشرِّع أراد عند إقرار هذا القانون، إفساح المجال أمام اللبنانيين للتمتع بالكهرباء، لأنه بحسب أهداف التنمية المستدامة 2030 من المفترض أن يكون لبنان يحقق 30 في المئة من الطاقة البديلة، بأسعار مقبولة وصديقة للبيئة. من هنا يجب أن يفسر هذا القانون بطريقة عملية وعدم ربطه فقط بإنشاء الهيئة الناظمة، خاصة وأن هناك مخرجاً قانونياً يسمح لوزارة الطاقة بأن تعطي التراخيص اللازمة لإنشاء مزارع طاقة شمسية أو أي طاقة بديلة أخرى وبيعها إلى الدولة اللبنانية، لأننا اليوم نتحدث بين 1.5 ميغاوات و10 ميغاوات. هذا القانون اقر، وفي حال تابعت الوزارة تنفيذه نكون امام نقلة نوعية في ملف الطاقة، لأننا معتادون على المبادرة الفردية والقطاع الخاص».
وتضيف حريز: «شهدنا في السنوات الماضية الى اي مدى إنتقل اللبنانيون الى الطاقة الشمسية وكيف وفروا فعلياً إقتصادياّ وهذا ساهم إلى حد ما بتنمية إقتصادية، على مستوى ميكرو (micro)، كل على مستوى مؤسسته أو مصنعه أو مزرعته أو على مستوى الإستهلاك المنزلي، فكيف إذا فتحنا المجال فعلياً للمبادرات الفردية وللقطاع الخاص للاستثمار في موضوع الطاقة».
وتتابع: «بالطبع يجب ألا نرتكز على أن تكون مزارع انتاج الطاقة البديلة على أطراف البلد في البقاع وعكار لأن عندها يجب أن نقوم بصيانة كبيرة للشبكة. وبحسب الأرقام، كل 100 ألف متر مربع تعطي تقريباً 8 أو 10 ميغاوات، ولذلك لا نتحدث عن مساحات شاسعة أو بإستثمارات كبيرة جداً، بل إستثمارات على مستوى القطاع يمكن تحقيقها برأسمال بسيط، ونصل من خلالها إلى مرحلة الإكتفاء نوعاً ما بالطاقة».