يحرص بعض المشاركين في اجتماعات واشنطن المالية على الترويج للقاءاتهم في وسائل الإعلام اللبنانية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويبلغ عددهم تقريباً نحو 15 شخصية مصرفية ونيابية ووزارية. بدءاً من نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، وحاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري والوزير أمين سلام ، ورئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان والنواب مارك ضو وميشال معوّض ونواب آخرين يشاركون في «اجتماعات الربيع»، التي ينظمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويلتقون على هامشه مع مسؤولين أميركيين .
سبب هذا الحرص ليس حب الظهور الاعلامي على أهميته بالنسبة لهم، بل أيضا لإقناع الرأي العام اللبناني أن ثمة من يتحاور مع المجتمع الدولي لإخراج لبنان من وحول الازمة المالية التي يتخبط فيها منذ ما يقارب الـ5 سنوات. لكن المضحك – المبكي أن بعض المشاركين ذهبوا الى واشنطن خاليي الوفاض من أي خطة مشتركة، أو حتى توافق على عنوان مالي معين يمكن أن يساهم في تسريع اتفاق لبنان مع صندوق النقد، بعد توقيع اتفاق مبدئي بين الطرفين في نيسان 2022. بل أكثر من ذلك هناك شواهد كثيرة تدل على أن هذه المشاركة لن تسمن ولن تغني من جوع، بل ستكون أقرب الى حفلة علاقات عامة لا أكثر ولا أقل والشواهد كثيرة أبرزها:
– من المفروض أن يلتقي كل من الشامي ومنصوري مسؤولي صندوق النقد وكلاهما يؤكدان انهما من المؤيدين لاتمام الاتفاق. لكن التجربة أثبتت أن منصوري تنصل من مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف بعد عرضه في مجلس الوزراء والذي تعاون مصرف لبنان مع الشامي لانجازه، فما الجديد الذي يمكن ان يطرحه حاكم المركزي بالانابة في واشنطن حول هذا الموضوع؟
– الوزير سلام أيضا قدّم لمجلس الوزراء مشروعاً لاعادة هيكلة المصارف مناقضاً تماماً لرؤية صندوق النقد، فما الجدوى من مشاركته وهل سيأخذه مسؤولو الصندوق على محمل الجد؟
– هناك تباين واضح بين النائب كنعان ومسؤولي الصندوق. وقد تظهّر ذلك في أيلول الماضي، حين أعلن كنعان صراحة أن شروط صندوق النقد لاتمام الاتفاق «ما بتمشي» لأنها لا تراعي ملف معالجة اعادة الودائع، فما الجديد الذي يحمله اليوم الى واشنطن؟
– النائب مارك ضو من المؤيدين للاتفاق مع صندوق النقد في حين أن النائب ميشال معوض من المعارضين له، ويشاركان في الاجتماع ضمن وفد واحد . فكيف يمكن ان تكون هناك لغة مشتركة بينهما تقنع المسؤولين في الصندوق بوجهة نظرهم؟
اللقاءات مناسبة إجتماعية!!
مصدر مطلع يضع كل ما يحصل ضمن اطار «حفلة علاقات عامة لا أكثر»، ويقول لـ»نداء الوطن»: «ولا مرة كانت هذه الاجتماعات لها طابع جدي أو جدوى، بل هي اقرب الى مناسبة يتمكن فيها المشاركون من لقاء عدد كبير من المسؤولين الماليين والاقتصاديين في صندوق النقد والبنك الدولي. وهذا الامر ليس جديداً بل كان سائداً منذ ما قبل الازمة»، موضحا أن «كل مصرفيي العالم يمكن ان يشاركوا في هذا النشاط وعقد لقاءات جانبية مع المسؤولين الدوليين، لكن من دون اتخاذ قرارات مباشرة».
يضيف: «لا يمكن للمسؤولين اللبنانيين أن يحملوا جدول اعمال موحداً، لأنه ليس هناك اجتماعات معينة بل مؤتمرات وندوات، ولا يمكن للبنان ان يطرح ورقة موحدة الا من خلال تنظيم لقاء خاص بلبنان وأزمته. وهذا أمر لم ولن يحصل بسبب التباين في الآراء عند المسؤولين اللبنانيين حول كيفية الخروج من الازمة».
ويختم: «ما يجري هو لقاءات عامة ونادراً ما تكون لقاءات عمل، وهذه اللقاءات يمكن ان تكون بين اصحاب المصارف اللبنانية والمصارف المراسلة الخاصة بهم، ولكن التواصل بينهم مستمر سواء في ظل اجتماعات واشنطن أو من دونها، ولذلك لا يجب أن يعطى ذلك أهمية كبيرة».
زيارة من دون خطة موحدة
يوافق الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فريدة على وجهة نظر المصدر المطلع حول الجدوى التي يمكن حصدها من اجتماعات واشنطن، ويقول لـ»نداء الوطن»: «الوفود النيابية والوزارية التي تزور العاصمة الاميركية حالياً لا تحمل معها خطة موحدة للحكومة اللبنانية لمعالجة الانهيار والازمة المالية. وهناك آراء متعددة بدءاً من النواب والوزراء والنائب ابراهيم كنعان كرئيس لجنة المال والموازنة، والحاكم منصوري الذي تنصل من الخطة التي طرحت مؤخراً حول اعادة هيكلة المصارف بالتوافق مع برنامج صندوق النقد، وسحبت الخطة من النقاش وعدنا الى المربع الاول». مذكراً بأن كلاً «من كنعان والنائب جورج عدوان سبق لهما الاعلان عن الانتصار بإبعادهم شبح الصندوق عن لبنان، وبأنهما تمكّنا من صد اي خطة منذ 2020 تتجاهل قدسية الودائع، بينما الودائع تنزف منذ 2019 وحتى اليوم».
يضيف: «الواضح أن هذه المشاركة ستنتج علاقات عامة شخصية للمشاركين، ولن تصب في مصلحة خروج لبنان من الازمة الموجود فيها. لأنهم كطبقة سياسية مسؤولين بالتكافل والتضامن مع جمعية المصارف عن الوقوف بوجه اي حل للأزمة التي نتخبط فيها»، مشدداً على أن «مشاركتهم يمكن قراءتها على مستويين: الاول ان المؤسسات الدولية مضطرة للتعاون مع المسؤولين في لبنان، والثاني أن هؤلاء المسؤولين مكشوفون أمام المجتمع الدولي، والدليل أن الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة مطلوب دولياً وآخرها الدعوى القضائية في واشنطن، والرئيس نجيب ميقاتي تقام ضده دعوى قضائية في موناكو».
ويعبر فريدة عن أسفه بأن «كل دول العالم تعرف أن هذه المنظومة السياسية – المصرفية ، وبالتعاون مع الجسم القضائي، هم مرتكبون وتجرى ملاحقتهم قضائياً، ما عدا في لبنان فهم محميون»، جازماً بأن»هناك مساراً قانونياً بدأ ولن يتمكن أحد من إيقافه، ويبدو أن خلاص لبنان سيكون من الخارج وليس عبر الجسم القضائي الذي يظهر بأنه غير قادر على التخلص من تأثير السلطة السياسية».
ويختم ساخراً «لا بأس من القيام بهكذا زيارات سياحية، ربما قد تكون الاخيرة قبل ادراجهم على لوائح العقوبات، عندها لن يتمكنوا من قضاء اجازات في الخارج، وقد تكون مناسبة أيضا لتقاضي منصوري مزيداً من بدلات السفر عن الرحلات الخارجية التي يقوم بها والتي تبلغ آلاف الدولارات».
مشاركة أقرب إلى فولكلور
من جهته يشرح الدكتور منير راشد وهو رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية (استاذ محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت وخبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة)، لـ»نداء الوطن» أن الدعوات الى هذه الاجتماعات تأتي بشكل عام الى كل من وزير المالية وحاكم المصرف المركزي، ويمكن لأي شخصية اقتصادية أو مالية أو صحافية أو مصرفية أن تطلب من الجهة المنظمة المشاركة في هذه الاجتماعات»، موضحاً أن «لكل مشاركة عملها الخاص، أي أن هناك اجتماعات مخصصة لممثلي الدولة اللبنانية أمام صندوق النقد، أي حاكم المركزي ووزير المالية، أما المشاركون من نواب وشخصيات اقتصادية فيمكنهم طلب مواعيد مع مسؤولي الصندوق، وهناك ندوات وجلسات عامة يمكنهم المشاركة فيها. اما الجلسات الخاصة فلا يمكن المشاركة فيها الا للحاكم ووزير المالية، وهذه الندوات مخصصة لوضع الاتجاه العام للوضع المالي العالمي وخطوات للاجتماع السنوي الذي يحصل في تشرين الاول المقبل».
يضيف: «كنعان سيشارك كمشارك عام وليس كمشارك خاص وبمبادرة شخصية منه، لكن العمل الاساسي الذي يخص السياسات والاتجاهات المستقبلية فهو يخص وزراء المالية وحكاّم المصارف المركزية، أما سلام فيمكن ان يكون مفوضاً للحضور ويمكن ان يعاون الحاكم في اجتماعاته لرسم الخطوط العامة للوضع المالي العالمي»، مشدداً على أن «تعدد الآراء في المناسبات المالية كهذه ليس مفيداً للبنان، فالممثل الاساسي يجب ان يكون الحاكم ووزير المالية. والرأي المطلوب من الدولة اللبنانية يجب أن يعلن عنه من قبلهما، كونهما العضوين اللذين يمثلان لبنان في الاتفاق الاولي بين لبنان وصندوق النقد».
يلفت راشد الى أن «العلاقة مع صندوق النقد تمثلت في الاتفاق المبدئي الذي حصل في نيسان 2022 مع بعثة الصندوق، والذي لم نطبق اي شيء من الخطوات المطلوبة لتحوله الى اتفاق نهائي. ونتج أيضاً عن هذا الاتفاق المبدئي خطة صدرت في أيار 2022 والتي تتضمن اصلاحات لم ينفذ منها شيء. وهذه الخطة وافق عليها مجلس الوزراء ولكن لم يوافق عليها مجلس النواب»، جازماً بأنه «طالما أن لبنان لا يملك خطة فمن المتوقع ان يكون محور الاجتماعات عبارة عن اسئلة عن كيفية الخروج من الازمة يوجهها مسؤولو الصندوق للمشاركين اللبنانيين، لأن هناك حكومة تصريف اعمال وهي لا تمثل لبنان رسمياً وصندوق النقد مستعد للتواصل مع الجميع، ولكن التواصل الرسمي يكون مع ممثلي الدولة اللبنانية».
ويشير الى أنه «حتى حين يقول المسؤول اللبناني كلاماً غير صحيح، فمسؤولو الصندوق لا يواجهونه بأن كلامه خطأ، بل يطلبون منه شرح موقفه اكثر ويطلبون منه توضيح تأثير هذا الموقف على الاقتصاد اللبناني، ثم يعطون رأيهم بطرحه انطلاقاً من تأثيره على الاقتصاد». موضحاً أن «صندوق النقد يعتبر ان الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، وليس لديها الصلاحيات لإتمام الاتفاق النهائي، والدولة اللبنانية ليس لها القدرة حالياً على القيام بهذه الاجراءات، وليس هناك مدة زمنية معينة لانتهاء مفعول هذه الاتفاقية كونها مبدئية وليست برنامجاً حيث يكون هناك تحديد زمني لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، بل أن الاتفاق المبدئي هو بمثابة اختبار لمدى قدرتنا على تنفيذ الاصلاحات».
يرى راشد أن «مشاركة المسؤولين اللبنانيين هي اقرب الى فولكلور، لأن لبنان لا يملك خطة للانقاذ واضحة ولا يمكنهم التحدث باسم الدولة اللبنانية، وحين تم تعديل الخطط من قبل الجانب اللبناني في ايلول الماضي رفض صندوق النقد ذلك»، جازما «طالما اننا لا نملك خطة، فهذا يعني أننا لن نعرف ماذا سنناقش مع ممثلي الصندوق، قد يعرض كل مسؤول ما أنجز في وزارته (مشاركة أمين سلام مثلا قد تأتي في هذا الاطار)، لكن هذا الامر ليس من صلب الاصلاح المالي والاقتصادي الذي يطلبه صندوق النقد بغض النظر عما اذا كنا موافقين على برنامجه ام لا».
ويختم: «حين لا يوافق مجلس النواب على اقرار قوانين الكابيتال كونترول والسرية المصرفية، ولا يعطي في المقابل بدائل عن هذه الاصلاحات، فهذا يعني أن كل الزيارة لا معنى لها وهي استعراض اعلامي، اذا لم نقدم فيها موقفاً موحداً للصندوق يمثل الحكومة اللبنانية».