لطالما اعتبر “هدر المال العام” أحد أخطر انواع الفساد انتشاراُ، ما جعل دول العالم أجمع تضاعف جهودها لحمايته بإعتبار ان توفير هذه الحماية بمثابة واجب وطني ومظهر من مظاهر الإنتماء للوطن لا سيما ان آثار التعدي على المال العام لا تقتصر على خسارة الدولة لجزء من مالها، بل تطال المجتمع ككل اذ تفقد القدرة على الحكم واتخاذ القرارات، ما يسلّط الضوء على ضرورة عدم التهادن او التهاون في اقل مخالفة لها طابع مالي او تتضمن هدراً لثروة وطنية او اعتداء عليها أيا كان الفاعل وموقعه الرسمي او الخاص.
وفقاً لأستاذ القانون الإداري في الجامعة اللبنانية د. عصام نعمة اسماعيل ” تؤمن حماية المال العام الاستقرار المالي والإجتماعي والاقتصادي، وتتطلب تشريعات صارمة وقضاء فاعل واجهزة رقابة ادارية قادرة على التدخل السريع لكي تمنع التمادي في العدوان على المال العام”.
حماية الأملاك العامة
وعلى مر السنوات، كشفت فصول عديدة من ممارسات تحمل في طياتها هدر للمال العام عبر اساليب عدّة، ما جعل حمايتة لا تقتصر على وضع الضوابط لمنع اختلاس الكتلة النقدية التي يتصرّف بها الإداريون، ولا بمواجهة استغلال الوظيفة للحصول على مكاسب من المواطنين، بل تمتد هذه الحماية الى الأملاك العامة سواء كانت هواء، ماء، ام يابسة.
ويعد الهواء من اهم الثروات الوطنية بما يحميه من حيّزات تردّديه تستخدم في اعمال الإذاعة والتلفزيون وخطوط الطيران والمنارات البحرية والإنترنت ونقل المعلومات والإتصالات اللاسلكية والخلوية، والقضايا الأمنية والعسكرية وغيره. الا ان حمايته ليست فاعلة، حيث يكثر استخدام الحيزات التردّدية بصورة غير مشروعة او تتساهل الإدارات المعنية في جباية الرسوم المناسبة من المؤسسات الإعلامية وشركات الإتصالات، أو غير فضائح استجرار الإنترنت بصورة غير شرعية.
ورد اسماعيل “عدم الاستثمار الجيد للهواء الى القوانين والأنظمة الراعية للهواء غير مناسبة، وكذلك لعدم وجود قضاء متخصص قادر على كشف جرائم التعدي على الثروة الهوائية، ولأن أجهزة الرقابة لا تملك القدرة التقنية على مراقبة التعديات على هذا القطاع”.
وعلى صعيد الثروة المائية، وبحسب القوانين كل المياه في لبنان تعتبر من ملحقات الملك العام بحيث لا يمكن انتزاع اي كمية متوفّرة منه الا لأسباب قانونية. وفي هذا الإطار، لفت اسماعيل الى انه “نتيجة تغيّر الظروف القانونية والواقعية المتصلة بالواقع المائي لم يعد من الجائز منح افراد حقوق مكتسبة على ينابيع عامة، وعلى الدولة في حال قررت استمرار استفادة اشخاص من مياه الينابيع ان تفرض عليهم رسوماً متناسبة من حجم استغلال هذه الينابيع”. وشدد على ان “الامر نفسه ينطبق على حفر الآبار الارتوازية، بحيث يتم حظر استخراج المياه منها دون ضوابط معينة، حيث ان مبدأ المساواة بين المواطنين يمنع القبول بأن ينعم سكان مبنى ما بالمياه الوفيرة الناتجة عن بئر ارتوازي وبدون تسديد رسوم تتناسب مع كمية المياه المستخرجة بينما جاره محروم من المياه لأنه مشترك بخدمة المياه من المؤسسة العامة”.
وتحتل حماية الاراضي والاملاك العامة البرية حيزاً كبيراً في عملية حماية المال العام، فهذه الاراضي التي تدخل في الملكية العامة يمكن اذا احسنت الدولة استثمارها ان تشكّل احد الموارد التي تسهم في تغذية الموازنة العامة. ومن المؤسف، ان نجد ان قسماً من الاراضي ادخلت ضمن مشاعات القرى ووضعت تحت تصرف البلديات كما قيدت اراضي اخرى بإسم الطوائف او بطريقة مجهولة جرى نقل ملكيتها الى افراد. كما جرى، وبسبب ضعف الحماية الملكية العامة العقارية، استباحة مساحات واسعة من الاراضي البرية واقيم عليها ابنية عشوائية لا تراعي السلامة العامة ومتطلبات السكن اللائق من حيث وجود البنية التحتية اللائقة وزيادة الكثافة السكانية، او جرى الترخيص بإشغالها ببدلات رمزية جداً لا تتلاءم مع قيمتها او منح إجازة طويلة على العقارات المشاعية المسجلة بإسم البلديات.
منع الهدر
ولا تكتمل حماية المال العام الا اذا رافقتها اجراءات تمنع هدر الاموال النقدية التي تتحصل من الاملاك والمرافق العامة، اذ ان الفساد لا يأخذ صورة اختلاس المال العام، وانما يتمثل بالهدر الفاضح له ما يستدعي اخذ تدابير توقفه.
وطرح اسماعيل عدد من التدابير تتضمن: – وقف الدراسات والاستشارات التي يتم انفاق مبالغ كبيرة جداً عليها ولا تنفذ انما تهمل
– فرض رقابة على الصفقات العمومية بحيث يقتضي منح ادارة المناقصات والمزايدات لناحية معقولية الأسعار المطروحة
– التوقف عن منح ترخيص بإستثمار الأملاك العامة بطريقة المناقصة او المزايدة لأنها تلزم الإدارة بأحد العارضين المشاركين بالرغم من قناعتها بعدم جديّة العروض المقدّمة
– وقف الإشراف الخاص على المشاريع على تنفيذ المشاريع لا سيما ان شركات الإشراف تتقاضى مبالغ كبيرة لقاء اداء مهمتها، في حين اثبتت التجارب ان هذه الشركات لا تؤدي دوراً فاعلاً في تحسين اداء شركات التنفيذ
– وقف التعاقد مع شركات الخدمات اذ تقدم الإدارات والمؤسسات العامة على التعاقد مع هذه الشركات لتوفير خدمات يؤدّيها عادة الأجراء، فتضطر لتسديد اجر العامل المؤدي للخدمات اضافة الى مصاريف وارباح الشركة
– الاستغناء عن استئجار الأبنية من قبل الإدارات والمؤسسات والبلديات بأجور مرتفعة لا سيما انها تملك عقارات قابلة للبناء او شراء مباني بقروض ميسرة اسوة بالأفراد
– العمل على الغاء المؤسسات العامة والتي يتجاوز عددها المئة في لبنان، وتضم عدد كبير غير منتج ولا يؤدي دوره بفعالية
– الغاء البلديات التي يتجاوز عددها الألف في لبنان حيث تبين فشل البلديات في تحقيق التنمية المطلوبة ما يدفع للسؤال حول جدوى وجودها
– خفض النفقات غير المنتجة والغاء الصناديق الخاصة والمخصصات
– اخضاع مرفأ بيروت وكازينو لبنان وشركة ادارة واستثمار منشآت النفط للإدارة المباشرة للدولة اللبنانية
– تخفيض حجم المشاركة في المؤتمرات الخارجية والغاء تكليف موظفي الخارجية بمهمات خارجية يتقاضون عنها تعويضات يومية