شارف عام 2020 على الإنتهاء.. عامٌ يعدُّ الأصعب على لبنان في كل المجالات، اقتصادياً ومالياً ونقدياً وصحياً.
ومع اقتراب الدخول في عام 2021، تبقى الأنظار موجَّهة نحو مستقبل هذا البلد، والحلول التي يمكن طرحها لكبح هذا الإنهيار، الذي لا يزال يضرب معظم فئات المجتمع.. من دون تدخل الدولة.
وفي هذا السياق، أكد الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية علي حمّود في حديث خاص مع “الاقتصاد”، أن “أساس الأزمة الاقتصادية في لبنان، يرتبط بأزمة حوكمة منبثقة من نظام طائفي، منعت صناعة سياسات نموذجية اقتصادية للحد ومنع إنتشار ثقافة الفساد والهدر.. ومن الأسباب أيضاً غياب السياسة المالية المُستدامة”.
وقال: “سار القطاع العام على هذا النظام، وأصبح هناك تجاوزات لعقود من الزمن، حتى اشتدت المديونية، وأصبح القطاع المصرفي مضخّماً، وكذلك أدَّت الزيادة الكبيرة في الدين، إلى ارتفاع خدمة الدين”.
وأضاف: “وصلنا الآن إلى توقّف التدفقات المالية الخارجية إلى لبنان، مما دفع “مصرف لبنان” إلى بذل جهود والقيام بهندسات مالية بدءاً من 2015 لإستقطاب الأموال”، واعتبرها حمود “سياسات يائسة وباهظة التكلفة”.
وتابع حمّود: “في نهاية المطاف، أوصلتنا هذه السياسات، إلى ما حصل منذ بداية تشرين الأول: توقّف التدفقات، بسبب الإحتجاجات وأزمة “كورونا”، ووصلنا إلى نسبة مرتفعة من الدين قياساً بالناتج المحلي الإجمالي، ليصبح لبنان من بين الدول الأعلى مديونية في العالم، بنسبة تتراوح بين 155% إلى 170%”.
وأشار إلى أنه “خلال هذه العقود، اعتمد اقتصاد لبنان على السياحة والخدمات، ومنذ إنتهاء الحرب اللبنانية لم نستطع تطوير وتحفيز القطاعات الأساسية (الزراعة- الصناعة)، فوصلنا إلى أسوأ وأكبر أزمة ممكن أن نمر بها، تزامناً مع التدهور المالي والنقدي، إن كان بسبب الفوائد العالمية أو الهندسات المالية”.
وأضاف: “تم إستعمال أموال المودعين، لسد الفجوة (إن كان في سعر الصرف، أو مسألة الدعم)، مما تسبب بخسائر في القطاع المصرفي بنحو 80 مليار دولار.. وبقي من الإحتياطي الإلزامي نحو 17.5 مليار دولار، وهو ما يعد رقماً وهمياً أيضاً”.
وأكد أن “عام 2020، شهد أسوأ وأصعب أزمة اقتصادية منذ عام 1975.. فوصلت البطالة إلى 30% ومعدل التضخم ارتفع بأكثر من 130%، وبحسب “الإسكوا” وصلت نسبة الفقر إلى ما فوق الـ55%، وسجل الناتج المحلي الإجمالي إنكماشاً بنسبة 12%، وبحسب “البنك الدولي”، الفقر سيواصل التفاقم على الأرجح، ليصبح أكثر من نصف سكان لبنان فقراء بحلول 2021، فيما من المتوقع أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 194% ارتفاعاً من 171% في نهاية 2019”.
وأضاف الباحث في العلاقات الدولية والاقتصادية: “هذه السنة مرّت، من دون أي تحرك من السلطة السياسية، لإصلاح مصادر الهدر، من ضمنها الكهرباء، ومن دون تحفيز أي قطاع يساعد بالنهوض في البلد”.
مستقبل لبنان الاقتصادي
وعن مستقبل الوضع في لبنان، قال: “الأزمة الاقتصادية تحتاج إلى خطة لإنقاذ وتفادي عقد ضائع من الزمن، أي وضع مخرج للأزمة الاقتصادية وتفادي السقوط الحر الذي يلوحُ بالأفق، ويجب إنشاء خلية لإدارة الأزمة مالياً اقتصادياً وصحياً”.
وأضاف: “انفجار مرفأ بيروت والذي يعتبر مصدراً رئيسياً للإيرادات، أثر كثيراً على الوضع المحلي، من حيث الخسائر الكبيرة في جميع المجالات”.
وتابع: “كما قال ميشال شيحا: لبنان مرفأ، مشفى وقطاع مصرفي، وأضيف عليها النظام التربوي، إذ تم رفع سعر الأقساط، سنجد الكثير من الشباب غير قادرين على التعلم.. وهذه الأربع قطاعات بحال بقيت على هذا النحو، سنصل إلى قمة الإنهيار في عام 2021”.
وأردف حمّود قائلاً: “من أبرز التعاميم الذي تحدث عنها المركزي، دمج البنوك والتعميم رقم 154، وزيادة الرساميل بنسبة 20%، الذي يصعب تحقيقه، لأن معظم من هرّب الأموال إلى الخارج هم من السياسيين أو من المقربين منهم”.
ورأى أن “أفضل الحلول هي اللجوء إلى خطط لا تمس ولا تتعرض إلى مصالح السلطة الحاكمة، مثلاً كرفع الدعم الذي يمول من أموال مودعين، وإبقاءه لذوي الدخل المحدود فقط، وعبر إنشاء مجلس نقد رغم وجود سلبيات، لكنه يبقى أحد الحلول، توازياً مع تحفيز القطاعات المنتجة”.
وعن الحلول الممكنة ومنها مجلس النقد، أوضح أن “المجلس النقد عليه أن يتمتع بقوانين (أي بسن وتشريع القوانين في مجلس النواب) لكي يكون فعّالاً، وليلزم المركزي بعدم تمويل عجز ميزانية الدولة أو المصارف.. وربط العملة باليورو بدل الدولار (إذا وافقت أميركا)، لأن الحجم الأكبر من الإستيراد هو باليورو، وهذا الحل هو الأفضل والأول في الدول المتأخرة، ويساعد على إعادة الثقة بالبنوك المراسلة، ويساعد في إمكانية تحديد سعر الصرف، وتدفق الاستثمارات التي بدورها تساهم في زيادة الأرباح في المركزي”.
وقال الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية: “في الوقت الراهن من الصعوبة دفع أموال المودعين، إلا إذا حصل انعطاف بمسار الترسيم، وكذلك مستقبل النفط والغاز، وأتت شركات عالمية للإستثمار في هذا المجال، وهذا ليس من السهل أن يُنفذ”.
وأضاف: “يجب إعتماد خطة موازية لمجلس النقد، كالتمويل في النمو والقطاعات الإنتاجية، ووقف المناكفات السياسية.. للوصول إلى التمويل في القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة)، يجب إصلاح قطاع الكهرباء أولاً”.
وأضاف: “تشكل التكنولوجيا والإنترنت، البنية التحتية الأساسية لإستقطاب المستثمرين، لذلك يجب تطويرها”.
إلى ذلك، قال: “اذا كان هناك احتياطي 23.5 مليار دولار (في أواخر الـ2019) واحتياطي الذهب أكثر من 20 مليار دولار.. وأن 99% من الحسابات موجودة في المصارف.. لماذا لم ندفع لهم 3 مليارات دولار؟!، ونبقي المشكلة محصورة فقط مع 5 أو 6 آلاف حساب يمتلكون فوق الـ90 مليار دولار، والذين استفادوا من الربح الفاحش والفوائد العالية والهندسات المالية”.
وتابع حمّود: “كان بإستطاعتنا القيام بالهيركات أو “كابيتال كونترول” على هذه النسبة من الودائع، وبذلك الحفاظ على نظامنا المصرفي من دون أيّة مشكلة.. وهذا دليل أن هناك شكوكاً حول الاحتياطي الإلزامي وكمية الذهب”.
وأضاف: “إذا افترضنا أن الأرقام المعلنة عن الاحتياطي صحيحة، لماذا التعثر عن دفع سندات “اليوروبوندز”، علماً أن قيمتها كانت لا تتعدى الـ15 مليار دولار، وأصبحت فيما بعد تساوي أقل ملياري دولار، أي كان بالإمكان شرائها، وعدم الولوج للأسواق العالمية وخسارة الثقة أمام البنوك المراسلة”.
وسأل: “إذا كنَّا نمتلك هذه الاحتياطات.. لماذا اللجوء إلى “صندوق النقد الدولي”؟.
وشدد الباحث في العلاقات الدَّولية والاقتصادية، على ضرورة إستقلالية القضاء، ووضع إستراتيجيات وطنية لمحاربة الفساد والرشوة، والسماح بجميع أنواع التدقيق في كل المؤسسات، وإلغاء السرية المصرفية.