تتأثر الأسواق اللبنانية كما أسواق العالم بحركة أسعار الذهب وتوجهها صعوداً أو هبوطاً، وغالباً ما تخلق حركة أسعار الذهب موجة شراء أو مبيع في لبنان. وليس تجار الذهب وحدهم من يلاحق سعر الأونصة العالمي، إنما عموم اللبنانيين الطامحين إلى الإدخار، لاسيما الهاربين منهم من الإدخار بالعملة الورقية للدولار الأميركي.
ونظراً لموجة الصعود العالمية لأسعار الذهب مؤخراً، تشهد السوق اللبنانية نشاطاً في الاتجاهين بيعاً وشراء، وسط تزايد التساؤلات عن جدوى الشراء أم البيع في المرحلة الراهنة؟ وعن وجهة الشراء، هل باتجاه الأونصات المحلية أم السويسرية؟
الذهب الجاذب الدائم
تتعدّد الأسباب التي اجتمعت على دفع أسعار الذهب إلى الصعود الصاروخي خلال الاشهر الأخيرة. ولا تقتصر فقط على مسألة أسعار الفائدة الأميركية، وإن كانت سياسة الفيدرالي الأميركي حيال أسعار الفائدة هي المحرك الأساس لأسعار الذهب العالمية.
فالذهب الذي يسير عادة عكس توجهّ أسعار الفوائد الأميركية، يتأثر اليوم بالحديث عن خفض مرتقب لأسعار الفائدة الأميركية، فترتفع أسعاره بشكل طبيعي. غير أن عوامل أخرى تساهم أيضاً بدفعه صعوداً، منها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع وتيرة الحرب في غزة والأحداث في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تقدم الحديث في الاتحاد الأوروبي عن خفض محتمل لأسعار الفائدة في المرحلة المقبلة.
كافة تلك العوامل دفعت ولا تزال الذهب إلى تحقيق مستويات مرتفعة جداً، ورسّخت مفهوم إدخاره كملاذ أكثر آماناً، وقد حفّز توجه أسعار الذهب صعوداً حركتي البيع لتحقيق أرباح سريعة من جهة، والشراء للإدخار على المدى الطويل من جهة أخرى.
لم يكن ارتفاع أسعار الذهب أمراً مفاجئاً للأسواق. فأسعار الفائدة الأميركية التي وصلت إلى معدلات قياسية عامي 2022 و2023 بات مقدّراً لها العودة إلى الانخفاض. ما يعني ارتفاعاً تلقائياً لأسعار الذهب التي تعاكس أسعار الفائدة الأميركية. لذلك شهدنا ارتفاعاً في أسعار الذهب من مستوى 1615 دولاراً للأونصة عام 2020 إلى 2075 دولاراً في النصف الأول من العام 2023، قبل أن يدخل مرحلة تصحيحية في النصف الثاني من العام 2023 ويتراجع إلى محيط 1800 دولار، ليبدأ من جديد رحلة صعود عام 2024. وقد بلغ سعر الأونصة 2195 خلال الشهر الحالي، وسط توقعات باتجاه أسعار الذهب إلى الصعود على المدى الطويل، بمعزل عن احتمالية حصول حركة تصحيحية على المدى القريب.
هل نبيع أم نشتري الذهب؟
أمام الحركة التصاعدية لأسعار الذهب، يسأل الكثيرون: هل فات أوان الشراء ودخلنا مرحلة مبيعه؟ أم لا يزال هناك جدوى من شرائه حالياً؟
دائماً ما يشكل الذهب إدخاراً رابحاً، بصرف النظر عن سعر الشراء وعن توقيته وعن مكان الشراء. فالذهب هو استثمار رابح على الدوام، لاسيما في حال إدخاره على المدى البعيد. وقد لا يحقق الذهب دائماً أرباحاً سريعة، إلا أنه يصلح للإدخار للأمد الطويل في أي زمان ومكان، لما له من خصائص عالمية، ويتمتع بطلب عالٍ وبموثوقية في كافة دول العالم.
من هنا، يمكن شراء الذهب في حال صعوده بهدف الإدخار بعيد الأمد، أو في حال هبوطه بهدف تحقيق أرباح قريبة الأمد. باختصار، من الصعب أن يخسر صاحب الإدخار بعيد الأمد بالذهب، بخلاف حال الإدخار بالعملات أو باقي السلع والمحافظ المالية.
وعلى الرغم من العوامل الدافعة لصعود أسعار الذهب، إلا أنه ليس مستبعداً أن يشهد مرحلة تصحيحية، أي انخفاض للأسعار قبل استئناف ارتفاعها على المدى المتوسط والبعيد، حسب التوقعات العالمية. من هنا، على المقبلين على شراء الذهب بأسعاره المرتفعة أن يتحلوا بالصبر قبل بيعه في المرحلة المقبلة. وعليهم أن يعلموا بأن جدوى إدخار الذهب تظهر في المدى البعيد. ما يعني أن شراء الذهب حالياً بأسعار مرتفعة قد لا يأتي بالأرباح قبل خفض اسعار الفائدة الاميركية.
أي نوع من الأونصات والليرات؟
قبل إدخار الذهب، يسأل الكثيرون أي الأونصات الذهبية الأجدى إدخارها، أهي الأونصة اللبنانية أم السويسرية؟ الجواب ببساطة أن النوعين لديهما الأهمية نفسها للإدخار. فالأونصتان تتمتعان بالجودة نفسها، ولديهما العيار نفسه، أي العيار 24 ولديهما الوزن نفسه 31.1 غراماً ولكن لا بد من معرفة بعض الأمور التي تشكّل اختلافاً بين الأونصتين.
فالأونصة اللبنانية يقل سعرها عن الأونصة السويسرية لانخفاض عمولتها وتكلفتها. والعنصر الأهم الذي يجب على صاحب الإدخار معرفته هو أن الأونصة السويسرية يسهل التصرف بها، أي بيعها في كافة دول العالم بسهولة. أما الأونصة الوطنية فيصعب بيعها خارج البلد، وربما تخسر من قيمتها خارجاً.
لذلك، في حال كان صاحب الإدخار لبنانياً، ولا يستهدف بيع مدخراته من الذهب خارج لبنان، عليه شراء الأونصة الوطنية الأقل تكلفة، مع الإشارة إلى وجود سبائك ذهبية متعددة الأحجام تبدأ أوزانها من غرام واحد.
أما بالنسبة إلى الإدخار بالليرات الذهبية، فلا بد من أخذ العلم بأن الليرتين العثمانية والإنكليزية لديهما الجودة نفسها، إلا أنهما يتمتعان بخصائص شكلية مختلفة. أضف إلى أن الليرة الانكليزية مطلوبة عالمياً وواسعة الانتشار أكثر من الليرة العثمانية. أما لجهة الخصائص، فالليرة العثمانية وزنها 7.20 غرام عيار 22، أما الليرة الانكليزية فوزنها 8 غرامات عيار 21 وفي بعض الدول عيارها 22.
باختصار، يبقى الذهب السلعة الأكثر أماناً للإدخار بالنسبة للأفراد والدول، على الرغم من صعوبة تحديد أسعاره المتوقع بلوغها بشكل دقيق.