كلما اجتمع إثنان حلّ الهمّ المالي ثالثهما وطافت المصارف، بكلِ أسمائها، كشيطانٍ مجبول بالمخالفات، وكمحتالٍ، خبيث، سرق تحت عين الشمس جنى العمر. فهل يستسلم الناس لشيطان محتال خبيث أم يعملون بكل قواهم على استرداد الرزق والحقّ والودائع؟ كلام، كلام… والسؤال: كيف؟ أصبح لدى المودعين رابطة تدافع عن حقوقهم سيتمّ الإعلان عن ولادتها قريبا فهل ستساهم في التعامل من الندّ الى الندّ مع جمعية المصارف؟
في موازاة كل أشكال وأنواع المشكلات الهابطة على المواطن اللبناني من كل حدب وصوب، عاد الكلام عن حقوق المودعين بعد همس سرى عن نيات بعض المصارف إستيفاء السندات بالدولار… بالعملة الأميركية. الخبر نزل على المقترضين كما الإزميل. وسرعان ما عادت المصارف ونفت ذلك. لكن، كما يعلم المودعون، لا دخان بلا نار. فهل تتربص بهم المصارف شرّاً آخر؟ وهل من يحميهم بعدما تُركوا للذئاب؟
“شو حقوقك”؟ أن تتقاضى دولاراتك التي جمعتها “بالشبر والندر” بالعملة اللبنانية وبسعر غير سعر الدولار الحقيقي؟ هل “حقوقك” أن تذعن للتعاميم التي تكرج أسرع من جريان المياه في الحنفيات؟ هل “حقوقك” ألاّ تستطيع إرسال بعض الدولارات من “جنى العمر” الى ابنك أو ابنتك في الخارج لسداد بعض المتطلبات؟ وهل وهل وهل…؟ أتتذكرون هادي جعفر، ذاك الشاب الذي ظهر “لايف” عبر الفيسبوك، مدة ناهزت الساعة الكاملة، وهو يطالب مدير أحد المصارف بإعطائه حقوقه؟ هادي تجرأ يومها وعاد وساهم مع 12 محامياً واقتصادياً وناشطاً في تأسيس حملة الدفاع عن المودعين في لبنان. وهمه الأهم أصبح، منذ 17 تشرين 2019، الحراك في كل الإتجاهات في سبيل حماية المودع اللبناني بعدما استولت المصارف على سلطة التشريع وراحت تسنّ التعاميم بدل القوانين!
قريباً تتحول الى رابطة
شو حقوقكم؟ شو حقوقنا؟ كلنا أودعنا خميرة ما جنيناه في البنوك اللبنانية وها هي تلك المصارف والدولة، بأمها وأبيها، يحدثوننا عن “الكابيتال كونترول” وعن سياسات البلع والهضم بلا “رفة جفن”! حملة الدفاع عن المودعين في لبنان تحاول أن تجد الحلول وضرورة توزيع الخسائر، إذا كان لا بُدّ من ذلك، في شكل عادل بين الجميع لا أن تُلقى على الطرف الأضعف. وهذا يتطلب أولاً إيجاد تمثيل حقيقي وسلطة للمودعين توازي سلطة المصارف. فهل تتصورون أن جمعية المصارف التي أساءت التصرف بأمانات المواطنين هي التي تتكلم بأسمائهم على الطاولات الباحثة عن حلول؟
لجنة الدفاع عن المودعين أخذت العلم والخبر وسُجلت كرابطة وستُطلق قريباً جداً على أن تضم مودعين من كل المصارف اللبنانية. وهكذا أصبح للمودعين رابطة إسوة بجمعية المصارف. فهل سنرى رابطة المودعين على طاولة واحدة مع جمعية المصارف؟ هل ستكون هكذا رابطة بقوة تلك الجمعية؟
يقول هادي جعفر أن الرابطة ستدعو قريباً جداً المودعين الى إجتماع عام وسيجري إنتخاب هيئة تنفيذية تمثل الطرف الذي يعتبرونه الأكثر ضعفاً ويقررون باسمه وعلى حسابه ويتمثل بالمودعين. يعرف هادي، كما كل من تشاركوا في تشكيل لجنة الدفاع عن المودعين، أن “عظام المودعين طرية” خصوصاً أنهم عاشوا كذبة كبيرة عن وجود أهم القطاعات المصرفية في العالم في لبنان وعن عبقرية التعامل فيها، ومنحوا كامل ثقتهم للمصارف وسلموها رقابهم للذبح. واكتشفوا لاحقاً أن القطاع المصرفي لم يكن ناجحاً بقدر ما كان “طمّاعاً” وتماشى مع أهواء الآخرين.
حملة الدفاع عن المودعين تعلمت من خلال المودعين أنفسهم، أي من خلال المآسي التي عانى منها الناس الذين أمّنوا على جنى العمر في مصارف خانت الأمانة. التفّت المصارف على الحقوق وكان يفترض أن تُمطر عليها دعاوى غير أن هناك كثيراً من الأشخاص يخشون من المواجهة مع قطاع شرس كما القطاع المصرفي، لهذا سعت حملة الدفاع عن المودعين الى دفع هؤلاء الى رفع الدعاوى عند الحاجة. ومن فعل منهم ذلك فوجئ بانحياز بعض القضاء الى الطرف الأقوى. هناك من تغاضى عن حقّ المودع باسترداد أمواله، وكلنا نعلم أن القانون يوجب إعادة الأموال وإذا لم يفعل من أمنته عليها كأنه “يُشهر افلاسه”. نحن أودعنا أموالنا والوديعة تعاد عند الطلب.
هناك أحكام أتت لمصلحة المودعين غير أنها عادت وأوقفت عبر الإستئناف، تحت حجة “لا نريد أن نشارك في انهيار القطاع المصرفي في لبنان”، بمعنى أن إعطاء المودع حقه هو بمثابة ضربة للقطاع المصرفي. وهذه خطيئة يرتكبها القضاء وتتسبب في انهيار الثقة بالقضاء والقطاع المصرفي معاً.
طالما دعت لجنة الدفاع عن المودعين التي تحولت الى رابطة الى عدم القبول بقوننة الهيركات ولا بالهيركات المقنّع. ممتاز، لكن المودع أصبح غير مطمئن الى شيء وفقد الثقة في كل شيء. فكيف لهذه الرابطة التي سيُعلن عنها حيازة الثقة المفقودة في كل الأمور؟ يُنقل عن لجنة الدفاع عن المودعين أنها أرسلت في شهر تشرين الثاني عام 2019 كتاباً الى حاكم مصرف لبنان يتضمن أهم الإجراءات التي يفترض أن تتخذ، وهي قدمت إخباراً الى النيابة العامة عددت فيه المخالفات، وعادت وأعلنت عن معايير الحلّ التي يقبل بها المودعون. وهي لا تترك أي بيان يصدر عن جمعية المصارف بلا ردّ مفصل منها. ولم ولن تسمح لتلك الجمعية بتمثيل المودعين على أي طاولة. فلا يحق لها ذلك، فالمودعون يمثلون أنفسهم. وبالتالي يفترض إتباع معايير ثلاثة: الشفافية والعدالة والمحاسبة. ويقول جعفر: نحن، كحملة، لن نقبل السكوت عن المخالفات التي ارتكبتها المصارف وسنلحق بها ولو بعد خمسين عاماً.
جميل هذا الكلام، لكنه قد يقع على مودع كما السوط فكيف له أن ينتظر عقوداً طويلة ليسترجع حقه؟ يبدو أننا أمام طريق طويل من يصبر فيه ينل إستناداً الى مقولة: طول البال يهدم الجبال.
الطريق ليست سهلة وأهم ما فيها أن لا يستسلم أصحاب الحقوق عن المخالفات المرتكبة في حقهم. في كل حال، ثمة ملف كامل يُعدّ، وتم تقديم إخبار وستعمل اللجنة – الرابطة على تقديم دعوى ضدّ كل مصرف على حدة قبل مرور الزمن، في سبيل أن لا يبقى لأي قانون كابيتال كونترول قد يصدر شرعية تغطية الإرتكابات القديمة. عمل لجنة حماية المودعين يتمّ وفق ثلاثة مستويات:
أولاً، مستوى السياسة العامة أي فرض المعايير المقبولة للحلّ.
ثانياً، مستوى الملف القانوني.
ثالثاً، المستوى الفردي.
ريثما تحقق اللجنة أهدافها ماذا لو أعلنت المصارف إفلاسها؟ من سيتمكن حينها من حماية الودائع؟
الأمر لن يكون طبعاً بهذه السهولة ولن تتبخر أموال الناس وكأنها لم تكن. وبالتالي لا تصابوا بالذعر ولا تنصاعوا لما يُملى عليكم بل قدموا الدعاوى في حقّ من يأكل الحقوق. أمرٌ آخر مخالف للقانون يقضي بسحب قيمة الدولار بالليرة اللبنانية وفق سعر 3000 ليرة في حين أن سعر الدولار أعلى بكثير. فماذا يفعل المودع الخائف على أمواله ويحتاج إليها؟ لجنة المودعين تدعو أصحاب الحق الى سحب المال إذا أرادوا وفق هذه التسعيرة لكن، في نفس الوقت، فليرفعوا دعاوى على المصارف التي لا تمنحهم إلا هذا الخيار غير القانوني الذي يلحق بهم خسائر واضحة. ولعلّ مشكلة كثير من المودعين أنهم يجهلون، أو يتجاهلون، أن علاقتهم مع المصارف تجارية بحت ويحق لهم أن يقاضوها. ثمة كثيرون ينصاعون الى تعاميم مصرفية تصدر علماً أن التعميم لا يخالف القانون.