في توقيتٍ مشبوه وبالغ الخطورة، عاد مجدداً مسلسل اقتحام المصارف من قبل صغار المودعين لاسترجاع ودائعهم المحقة، إلاّ أنه من اللافت أن المقتحمين أصحاب الحقوق، لا تتجاوز ودائعهم سقف الخمسين ألف دولاراً، وكأن هناك ضوءاً أخضراً خفياً قد أُعطي من جهات معينة من أجل الدخول على خط المشهد المالي البالغ التعقيد من أجل إضافة المزيد من عناصر التأزيم على عملية انتقال السلطة في مصرف لبنان المركزي.
ومن شأن هذا التصعيد في الإقتحامات أن يؤدي إلى نتائج لا تصبّ بالطبع في مصلحة كل المودعين، لأن الأزمة في مكانٍ آخر ولدى سلطة القرار التي تعمل عن قصد وبشكلٍ متعمّد إلى ترك مسألة الودائع لكي “تحلّ نفسها بنفسها”، على أن تكون خاتمة هذه المواجهة بين المودع والمصرف لمصلحتها، إقفال المصارف احتجاجاً على هذه العمليات وضياع الودائع، علماُ أن هناك من يعتبر أن المصارف مستفيدة من هذه الهجمة الشعبية المنفردة والتي تقوم بها مجموعة من المودعين فيما الآلاف من المودعين الآخرين هم خارج كل هذا الحراك المشبوه، وذلك من أجل تسريع عملية الإقفال الذي لن يحقق على الإطلاق مصالح المودعين أو يساهم في رد الودائع، خصوصاً في ضوء تصعيدٍ مقابل، يهدد به موظفو المصارف وليس فقط جمعية المصارف ، قد يؤدي إلى الإقفال وعودة مشهد الزحمة أمام المصارف مجدداً.
وتعليقا على ازدياد وتيرة عمليات الإقتحام للمصارف، يعتبر أستاذ الإقتصاد في الجامعة اللبنانية الدكتور جاسم عجاقة، أنه كان بالأجدى أن يقوم المدافعون عن حقوق المودعين، وبعد أربع سنوات على الإنهيار المالي وضياع الودائع وغياب الإجراءات التي تحفظ حقوق المودعين، أن تتجه مباشرةً إلى الموقع الذي يتمّ فيه تحديد مصير الودائع اليوم.
ويشير الدكتور عجاقة في حديثٍ ل”ليبانون ديبايت” إلى أن أزمة الودائع المحتجزة في المصارف، عادت إلى نقطة الصفر حيث أن كل مودع يتحرك منفرداً من أجل ضمان أمواله، علماً أن الحصول على الودائع يتمّ من خلال إجراء وحيد وفاعل وهو التحرك والتظاهر في ساحة النجمة حيث يتمّ تمرير مشروع هدر أموال اللبنانيين والحصول على الغطاء السياسي له، من خلال خطتين، الأولى وضعتها الحكومة تحت عنوان شطب الودائع من أجل شطب ديونها، والثانية من خلال المشروع المقدم من نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة والهادف إلى تشريع التصرف بالإحتياطي الإلزامي أي الودائع في مصرف لبنان المركزي.
وعن العلاقة بين اقتحام المصارف وملف حاكمية مصرف لبنان، يكشف عجاقة أن ما يحصل أخيراً مصطنع وليس عفوياً مشيراً إلى محاولات استغلال لمودعين مظلومين يطالبون بحقهم، وبالتالي على جمعيات المودعين أن تعمل لمصلحة المودعين كلهم من دون استثناء، والتحرك والوقوف سداً منيعاً في وجه المشروع الخطر للمسّ بالودائع التي تمرّ بظروف دقيقة. وهنا، يتحدث عجاقة عن “تواطوء” يجري حالياً من أجل تحويل الأنظار عن الخطر الحقيقي الذي يهدد الودائع وعنوانه ساحة النجمة، معرباً في هذا الإطار عن أسفه لما يحصل من عمليات اقتحام و”تكسير” المصارف معتبراً أن المعنيين، لا يمتلكون المعرفة أو أنهم متواطئون، لأن إقفال المصارف يسيء إلى المودعين بالدرجة الأولى.