لم تُحدث خطّة مستشار رئيس الحكومة نقولا نحّاس لحلّ أزمة الودائع وإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي في لبنان، الصدمة الإيجابية المطلوبة. إذ لم تأتِ بجديد وكانت على غرار سابقاتها، ما خلا بعض التفاصيل والإضافات الطفيفة.
يعتبر الخبراء أنّ “خطة نحّاس” ظالمة للمودعين وللمصارف على السواء، وذلك للأسباب الآتية:
– ظالمة للمودعين لأنّها توحي بأنّها تغطّي إعادة الودائع إلى 85% من المودعين. وهذا غير صحيح.
– ظالمة لبعض المصارف، خصوصاً لتلك القادرة على إيجاد حلول لأزمتها مع مودعيها وعملائها من خارج “الإجماع” الذي تحاول الخطّة سوق جميع المصارف بها “بالجملة”.
أمّا الإجراءات المقترحة في “خطّة نحّاس” والتي تحاول الحكومة من خلالها إعادة هيكلة الودائع فتُختصر بالآتي:
– توزیع الودائع بین “مؤھّل” و”غیر مؤھّل”.
– تجمید الودائع ذات المصدر غیر الموضّح.
– استرداد فائض الفوائد المدفوعة.
– تسویة “الودائع المؤھّلة المضمونة”.
– تسویة “الودائع المضمونة غیر المؤھّلة”.
– لیلرة اختیاریة لما بقي من الودائع (مؤھّلة وغیر مؤھّلة).
– تحویل ما بقي منها إلى أسھم (Bail-in) داخل المصارف.
– تحویل بعضها الآخر إلى سندات.
– تسویة جزئیة للودائع الكبیرة عبر الاستثمار في “سندات ذات قسیمة صفریّة”.
– تسویة جزئیة للودائع الكبیرة عبر “صندوق استرداد الودائع”.
خطّة غير قابلة للتّطبيق
لكنّ الغوص في تفاصيلها والقراءة بين سطور “خطّة نحّاس” تظهر الكثير من الثغرات، يمكن الاستخلاص بأنّ هذه الخطّة ليست إلا محاولة لشراء المزيد من الوقت إلى حين الانتقال في السياسة من حال “الفراغ” في الرئاسة والحكومة إلى حال “ما بعد الفراغ”، حيث التسوية السياسية التي قد تحمل خططاً ومقاربات مختلفة ذات عقليّة “من خارج الصندوق”… وإلى حينه، يمكن القول إنّ “خطّة نحّاس” ستكون على الأغلب غير قابلة للتطبيق للأسباب التالية:
1- “خطّة نحّاس” برمّتها بحاجة إلى موافقة مجلس النواب. وهذه الخطة يستحيل أن يوافق عليها المجلس بتركيبته الحالية، لأنّها تهضم قرابة 50% من الودائع. وهذا ما لا طاقة للنواب على تحمّل تبعاته. وقد يحتاج تمريرها إلى تفويض الحكومة صلاحيات تشريعية قد لا توافق رئاسة مجلس النواب على منحها لأيّ حكومة في ظلّ الوضع السياسي الحالي.
2- يستحيل توافق النواب على الصندوق الائتماني لأنّه سيتحكّم بالكثير من المؤسّسات التي تعتبرها أحزاب السلطة “حقوقاً مكتسبة” لن تفرّط بها. ومن المؤكّد أنّ أركان السلطة سيختلفون على “محاصصة” إدارة الصندوق، التي ستكون أقوى وأهمّ من وزارات سيادية في الحكومة.
الخطّة تعفي 30 مليار $ “شيكات”
3- كلّ ما حصلت عليه الدولة من رسوم وضرائب بالدولار بموجب شيكات لن يخضع للهيكلة. بالتالي فإنّ ودائع الدولة اللبنانية وإن كانت دولارات محتجزة (لولار) سوف تعود إلى حالتها الطبيعية… وهذا يعني أنّ الدولة سوف تخرج من هذه الخطّة، في حال أقرّت، رابحة ودائع كانت “لولار” وتحوّلت إلى “دولار فريش”. وذلك عملاً بالفقرة التي تحدّد الودائع الخاضعة لإعادة الهيكلة، والتي تستثني بشكل صريح ودائع القطاع العامّ “المحميّة قانوناً”، وكذلك ودائع البعثات الدبلوماسية وغيرها من الودائع.
4- وضعت “خطّة نحّاس” القروض المسدّدة بالشيكات المصرفية ضمن “الرصيد المؤهّل”. وهذا يعني أنّ ما دُفع من قروض بموجب تجارة شيكات لن يُعاد النظر فيه. وبالتالي فإنّ من سدّد قرضاً باللولار بموجب شيك مصرفي اشتراه بنسبة 10% أو 12%، يكون بذلك قد تخلّص من دين بأبخس الأثمان على حساب المودعين. تلك القروض تقدّر قيمتها بنحو 35 مليار دولار ضاعت وكان يمكن استرجاعها. إلّا أنّ الخطة لم تلحظ ذلك أبداً على قاعدة “يلي فات مات”. مع العلم أنّ استرجاع قيمة هذه القروض سيكون كفيلاً برفع قيمة الودائع المؤهّلة إلى ما فوق 100 ألف دولار.
كذبة الـ85%: Bluff
5- على الرغم من أنّ “خطّة نحّاس” تدّعي سداد 85% من المودعين، إلّا أنّها فعليّاً لن تسدّد بالدولار إلا ما قيمته 12% لأنّ ثمّة فرقاً كبيراً بين عدد الحسابات المصرفية وقيمة الأموال بالحسابات المصرفية. وعليه فإنّ رقم الـ85% هو مجرّد Bluff اعتمده واضعو الخطّة من أجل إيهام أغلبية المودعين بإمكانية حصولهم على أموالهم بموجب هذه الخطّة، بينما الحقيقة بخلاف ذلك.
6- أموال المعرّضين سياسياً أو الـPEPs ستكون مكشوفة بمفعول رجعي حتى مطلع عام 2015. وكلّ ما حصل عليه هؤلاء قبل هذا التاريخ لن يخضع للمساءلة أو المحاسبة. كما أنّ موظّفي الدولة معفيّون بموجب هذه الخطة من المحاسبة، في حال كانت وديعتهم أقلّ من 500 ألف دولار.
7- إذا كانت “خطّة نحّاس” تتضمّن بنداً يطلب “إيضاح مصدر الوديعة” (الودائع غير الشرعية) فكيف لها أن تُقدّر سلفاً حجم الأموال غير الموضّحة؟ تكون الخطة بذلك تضع شرطاً ثمّ تتخطّاه من خلال التحديد سلفاً لحجم الأموال المشكوك في نظافتها، والتي قدّرتها سلفاً أيضاً بنحو 4.65%، أو ما يعادل 4 مليارات من قيمة الودائع!
8- يخضع المودعون لبند “استرداد فائض الفوائد المدفوعة” والمقدر سقفه بـ1% فقط، أي أنّ كلّ فائدة فوق 1% تريد الخطّة شطبها، بينما لا تخضع أرباح المصارف وأصحابها للبند نفسه.
9- تسديد أوّل 100 ألف دولار مؤهّلة “لكلّ عميل” في كلّ القطاع المصرفي لا يلحظ الكثير من التفاصيل. فماذا لو كان الحساب باسم عميلين مثلاً ولكلّ عميل منهما حسابات مختلفة بمصارف مختلفة؟ من يكون صاحب الحقّ في هذه الحالة؟
10 سنوات تقسيط
10- بحسب تقديرات “خطّة نحّاس”، فإنّ قيمة ما ستدفعه المصارف ومصرف لبنان من “ودائع مؤهّلة” في السنة الـ11 تبلغ 163 مليون دولار فقط، وبالتالي يمكن دمج هذه السنة مع السنوات السابقة لجعلها 10 بدلاً من 11 سنة. وهذا يعود بالنفع على المودعين، إذ يختصر تقسيط سنة كاملة… والأمر نفسه ينطبق على الودائع غير المؤهّلة.
11- تحدّد الخطة سعر صرف الدولار بـ89,500 ليرة، لكنّها لا تلحظ سعر الصرف في سنوات التقسيط الإحدى عشرة. فما الذي يضمن أن يبقى سعر الصرف على حاله طوال هذه المدّة؟ وما هي الضمانات ألّا تلجأ الحكومة بالاتفاق مع مصرف لبنان على رفع سعر صرف الدولار تباعاً، من أجل تقليص قيمة الودائع المدفوعة بالليرة؟ (قيمتها 877 تريليون ليرة لبنانية).
هذا غيض من فيض.
الخلاصة أنّ “خطّة نحّاس” حبلى بعلامات الاستفهام، وطرحها على شكل Tableau كان محاولة هرب من الردّ على تلك الأسئلة والاستفهامات… ولهذا من المستبعد جداً أن تمرّ، وستبقى على غرار سابقاتها محطّة لـ”تقليب مواجع” المودعين ونكء الجراح.