خلافات على “صفقة” في الحكومة والجمارك

الخلافات في القطاع الجمركي بين المديرية العامة والمجلس الأعلى ليست وليدة اليوم، ولم تكن يوماً كذلك، هي صورة مصغّرة عن التجاذبات السياسية داخل الحكومة وخارجها، بين الأفرقاء السياسيين، لاسيما بين التيار الوطني الحر وحركة أمل. لا شيء يقف في وجه خلافاتهم، التي غالباً ما تطيح بمصالح عامة وتساهم بهدر المال العام. كما لا شيء يقف في وجه محاصصاتهم فيما لو توافقوا.
منذ سنوات يُفتح ملف ضبط المعابر الحدودية الشرعية، لاسيما مرفأ بيروت، ويُبحث فوق الطاولة وتحتها، ثم يُقفل من دون تسجيل أي تقدّم على مستوى ضبط الاستيراد وسرعة انسياب البضائع ورفع إنتاجية المرفأ. ومنذ أيام، أعيد طرح الملف من خلال بند “شراء ماكينة سكانر”، الذي أدرج في جدول أعمال مجلس الوزراء قبل أن يُسحب بطلب من وزراء التيار الوطني الحر. ما يطرح العديد من التساؤلات حول سبب سحبه قبل بحثه.

قبل الدخول بمسرحية “بند السكانر”، لا بد من التوضيح بأن السكانر الموجودة حالياّ في مرفأ بيروت تعود إلى نحو 10 سنوات. تم الحصول عليها بموجب هبة صينية. وهي الآن مهترئة وغير صالحة للكشف على كل الكونتينرز الذي يدخل المرفأ. وحسب الأرقام فإن قرابة 1200 كونتينرز يعبر يومياً مرفأ بيروت لا يتم الكشف سوى على 235 كونتينر فقط منها، في حين أن إيرادات المرفأ تقدّر بنحو 2.5 مليار دولار سنوياً. ومن المتوقع أن ترتفع الإيرادات بنحو مليار دولار، فيما لو تم اعتماد سكانر متطورة للكشف على كافة البضائع المستوردة عبر مرفأ بيروت.

مسرحية “بند السكانر”
أعيد فتح الملف بعد طرحه من قبل النائب هادي حبيش في مجلس النواب، قبل أن تُجرى له دراسة تفصيلية من قِبل المجلس الأعلى للجمارك، وتُرفع إلى وزير المال علي حسن خليل، ليُدرَج لاحقاً على جدول أعمال مجلس الوزراء، بموافقة رئيس الحكومة سعد الحريري. البند طُرح كمشروع مرسوم يتضمن نظاماً إلزامياً لمعاينة البضائع عن طريق سكانر متطورة تستخدم الذكاء الصناعي، يتم استقدامها عبر عقد BOT.

المشروع، وبعد وصوله إلى مجلس الوزراء، استفزّ مدير عام الجمارك بدري الضاهر، لعدم إطلاعه عليه ومروره عبر المديرية العامة، ما استدعى منه إجراء اتصالات بفريقه السياسي، أي بالتيار الوطني الحر، الذي يحرص وزراؤه على سحب البند من جدول أعمال مجلس الوزراء قبل بحثه، بحجة الإعتراض على مبدأ الـBOT وضرورة حماية صلاحيات إدارة الجمارك، وعدم تسليم عملية المراقبة والكشف على البضائع لشركة خاصة.

المشروع الذي تم طرحه على مجلس الوزراء ثم سحبه، يطرح تسليم عملية التفتيش والرقابة في المرفأ لشركة خاصة (من خلال إدارة المناقصات) عبر عقد BOT وتركيب سكانر يقارب ثمنها 60 مليون دولار، يتم استيفاء ثمنها من خلال فرض رسوم على كل شحنة أو كونتينر يدخل المرفا تقدّر بـ20 دولاراً.

أوساط التيار الوطني الحر تتفاخر بسحب البند عن طاولة مجلس الوزراء، وبإحباط محاولة “تمرير صفقة لشراء سكانر بعقد رضائي يرعاه فريقي وزير المال ورئيس الحكومة”. هذا الإدعاء يسقط بعد تأكيد رئيس المجلس الأعلى للجمارك، أسعد الطفيلي، في حديث إلى “المدن”، قائلاً أن مشروع مرسوم إلزامية معاينة البضائع عن طريق سكانر متطورة، سيُبتّ في مجلس الوزراء وفق الأصول، وأن المجلس الأعلى للجمارك لن يُبرم اتفاقاً مع أي شركة من دون المرور عبر إدارة المناقصات.

رواية أخرى تدحض إدعاءات التيار الوطني الحر، وتشير إلى أن “صفقة السكانر” سيكون بطلها التيار نفسه. وحسب مصدر جمركي رفيع في حديث إلى “المدن”، فالتيار الوطني الحر، ممثلا بمدير عام الجمارك، يتبنى إتمام عملية استبدال سكانر المرفأ بأخرى عبر مناقصة تجرى في المرفأ، وتُشرف عليها المديرية العامة للجمارك، ويتم استيفاء ثمنها من خلال فرض رسم 50 دولاراً على كل شحنة أو كونتينر، وبالتالي فإن الإصرار على مناقصة عامة عبر إدارة المناقصات يُعرقل مساعي ضاهر ومن بعده التيار الوطني الحر لإتمام “الصفقة”.

إذاً، انسحب الخلاف بين المجلس الأعلى للجمارك والمديرية العامة للجمارك على مجلس الوزراء، وفضح نوايا بتمرير صفقة سكانر، أضف إلى أن توجيه مشروع شراء سكانر من قبل جميع الفرقاء إلى مجلس الوزراء، يكشف نيّة الجميع وتوافقهم لإخراجها من إطارها القانوني وإدخالها في زواريب التجاذب السياسي، وفي حرب الدفاع عن الصلاحيات في إدارة الجمارك.

الهدر في المرفأ
بعيداً عن الخلاف على الصلاحيات بين المجلس الأعلى والمديرية العامة للجمارك، من المرجّح أن ترتفع إيرادات المرفأ قرابة المليار دولار سنوياً، فيما لو تم اعتماد سكانر متطورة ثلاثية أو رباعية الأبعاد، على نحو تتمكن حينها عناصر الجمارك من الكشف على كافة البضائع التي تدخل عبر مرفأ بيروت، يقول النائب حبيش في حديثه إلى “المدن”. فقدرة الجمارك اليوم على التفتيش لا تتجاوز 235 كونتينر فقط يومياً، في حين أن نحو 1200 كونتينرز يمر يومياً عبر المرفأ ما يعني أن إيرادات المرفأ التي تصل إلى 2.5 مليار دولار، يمكن أن ترتفع بين 500 مليون دولار ومليار دولار، في حال أخضعنا كافة المستوردات للكشف الدقيق عبر السكانر، لتصبح إنتاجية المرفأ بين 3 و3.5 مليارات (مع احتساب ضريبة الجمارك ورسم الاستهلاك الداخلي والضريبة على القيمة المضافة).

وتعليقاً على الرسم الذي من المرتقب فرضه على الشحنات المستوردة بدل خضوعها للكشف، يوضح حبيش، المواكب لمشروع شراء سكانر، أن تكلفة الـ20 دولاراً على كل شحنة من شأنها توفير مئات الدولارات على المستوردين، الذين يتكبدون الأموال نتيجة تخزين بضاعتهم لأيام في المرفأ بانتظار إتمام عملية الكشف.

وإذ يؤكد أن الخلاف على الصلاحيات بين المجلس الأعلى للجمارك والمديرية العامة من شأنه أن يضيع على الخزينة مئات ملايين الدولارات، يرى أن مشروع السكانر في مرفأ بيروت يستحق عقد جلسة خاصة لمجلس الوزراء لحل الملف، في سبيل توفير مبالغ طائلة للخزينة.

تعليق تطويع الخفر
الخلاف بين المجلس الأعلى والمديرية العامة للجمارك، ومَن خلفهما، لم يقتصر على ملف السكانر بل ينسحب على كافة الملفات. إذ ينعدم التنسيق بين الطرفين وفق مصدر بالجمارك، وتنسحب الخلافات على التشكيلات والتحسينات والتطوير وأداء الادارة وحتى إنتاجيتها. وآخر الخلافات ستؤدي إلى تعطيل تطويع 853 عنصراً (خفيراً) في الجمارك.

المجلس الأعلى للجمارك يعتبر عملية تطويع الـ853 غير قانونية، ويؤكد الطفيلي لـ”المدن” عدم السير بها، بسبب تعرّض نتائج المباراة لعملية تلاعب. وهو ما أكده أكثر من مصدر في الجمارك، لاسيما أنه تم استبعاد مرشحين فائزين لمصلحة آخرين من طوائف أخرى، بهدف إحداث توازن طائفي بين المتطوعين (الخفر). علماً أن مراعاة التوازن الطائفي غير إلزامي في هذه الفئات الوظيفية.

أضف إلى أن المديرية العامة للجمارك كانت أعلنت نتائج المباراة رسمياً، من دون الحصول على موافقة المجلس الأعلى وفق الأصول، بهدف وضعه تحت الأمر الواقع. ما استنفر الأخير وأكد رفضه تطويع الـ853 قبل التدقيق بعملية اختيارهم. والنتيجة أن المباراة التي أجريت قبل 5 سنوات تم تعليق نتائجها اليوم إلى أجل غير مسمى.

مصدرعزة الحاج حسن - المدن
المادة السابقةحسن خليل: لا مشكلة حول موازنة وزارة الدفاع
المقالة القادمةجريصاتي يوعز بفتح تحقيق في نقل نفايات الى عكار بيت الحوش