أخذ مجلس الوزراء، في جلسته في 16 الشهر الماضي، علماً بخطة وزارة الصحة إجراء مراجعة لدعم الأدوية السرطانية والمستعصية، وتكليف شركة متخصّصة «التدقيق في استيراد أدوية الأمراض المستعصية المدعومة والتحقّق من أنّ الاستيراد والتوزيع يتمّان وفق القوانين ووفق متطلبات الوزارة».سببان أساسيان دفعا وزارة الصحة إلى المراجعة، الأول هو «التحقيق في عملية تلاعب في استيراد أحد أدوية الأمراض السرطانية الذي لم يسلك الطرق القانونية». والثاني مسؤولية الوزارة الكاملة عن ملف أدوية السرطان والأمراض المستعصية، إذ يقع على عاتقها تحديد أصناف الأدوية وكمياتها والمبالغ المالية وإرسال أوامر الصرف إلى وزارة المال.
وإجراء المراجعة يشير إلى أن الدعم ربما وصل إلى نهايته، بعدما مرّ بمراحل ثلاث: في الأولى كان يتم تمويل استيراد أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية المدعومة من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، وفي الثانية من أموال حقوق السحب الخاصة بلبنان (البنك الدولي – SDR)، وفي الثالثة عبر سلف الخزينة. وتخلّل هذه المراحل إخراج بعض الأدوية من لائحة الدعم وتخفيف نسب أدوية أخرى. وفي المراحل الثلاث، كان يجري التعامل مع أذونات الصرف بتلقائية عبر تمديد المهل ثلاثة أشهرٍ، إلى أن نفدت أموال المصادر الثلاثة. في التمديد الأخير للدعم حتى نهاية هذا العام، تم الاتفاق بين الوزارة ومصرف لبنان والمستوردين على دفع نصف الأموال بالليرة والنصف الآخر بالدولار. إلا أن الوزارة لم تصرف سوى المبالغ بالليرة لعدم توافر الدولار، وأعادت النظر في البروتوكولات الطبية عبر ترشيد بعض الأدوية. وبسبب «الجفاف» في مصادر التمويل، جرى التوافق على أن تتولى الوزارة أمر الصرف، ما يعني أنها أصبحت المسؤول الأول والأخير عن تحديد أصناف الأدوية للمرضى والكميات التي تحتاجها مع ما يتبع ذلك من تحديد للمبالغ المطلوبة لتغطية نفقاتها وصولاً إلى إصدار أمرٍ بالدفع يرسل إلى مصرف لبنان. وبناءً على ذلك، كان طلب وزير الصحة السماح بتكليف شركة تدقيق «رفعاً للمسؤولية وتبرئة للذمة ولمزيد من الشفافية»، وفق المصادر. وقد كُلّفت «شركة صيداني للتدقيق» على أن تباشر عملها بعد تحديد اللجنة الفنية أصناف الأدوية والكميات المطلوبة. وستقوم الشركة بالتدقيق في الطلبات ومطابقتها مع المبالغ، قبل أن تصدر الوزارة الأمر بالدفع، وعلى أساسها تبلّغ شركات استيراد الأدوية والمستودعات بالمطلوب.
وفق نقيب مستوردي الدواء وأصحاب المستودعات جوزف غريّب، «لم تنضج خطوة رفع الدعم حتى اللحظة». لكن، استناداً إلى هذا المستجد، قد تكون هذه المحطة الأخيرة في مسار الدعم. فما هو ظاهر اليوم أن الأمور تتجه نحو سيناريو مختلف، والمرجّح أنه مع بداية العام المقبل، لن تصرف الحكومة «لا لبناني ولا دولار». ولهذا، تدرس الوزارة الاستمرار في دعم بالحد الأدنى الممكن لأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية من موازنتها. وهو ما يستوجب إجراء دراسة مفصّلة لتقدير الحاجات وجدولة الصرف. وتشير مصادر في الوزارة إلى أن وزير الصحة فراس أبيض «يدرس الأرقام في ما يتعلق بالأدوية والأصناف والكميات والمستهدفين والمبالغ المطلوبة». لكن ما هو أبعد من الأمور التقنية، أن موازنة الوزارة لن تكون قادرة على تغطية الدعم الحالي، «وهذا يعني معركة قادمة، وخصوصاً أن دائرة المستهدفين ستكون محصورة وفق هذا الخيار بمرضى الوزارة حكماً من دون مرضى الجهات الضامنة الأخرى، مع ما يتبع ذلك من التضييق أكثر في بروتوكولات العلاج». وقد فسّر البعض هذا التوجه، ومنهم غريّب، بأنها محاولة لتصحيح المسار عبر الانتقال من الدعم الشامل «إلى دعم المريض». ولكن، هل سيكون المعيار واضحاً من جهة؟ وماذا سيحلّ بالمرضى ممن هم خارج موازنة الصحة في ما لو طبّق هذا السيناريو، كمرضى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟