مع الارتفاع الدراماتيكي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، وبلوغه عتبة الـ2300 ليرة، بدأت القدرة الشرائية للمواطن في التآكل. وبات راتب المليون ليرة الذي كان يوازي حوالى 660 دولاراً، لا يوازي حالياً اكثر من 400 دولار.
إعتبر الخبير المصرفي الوزير السابق آلان حكيم، انّه في ظلّ هذه الظروف الاقتصادية الحالية لم يعد لدينا حرّية التداول بالعملة الاجنبية خصوصاً الدولار، حيث لن يكون ممكناً التداول به كما في السابق، وذلك لعدة اسباب، اولاً للحؤول دون تهريب الدولار الذي كان يتمّ الى العراق وسوريا وايران.
ثانياً: لتخفيف الضغط على مصرف لبنان، لأنّ كل دولار يخرج من المصارف هو فعلياً يخرج من مصرف لبنان، وهذا ما سيؤثر تلقائياً على موجودات مصرف لبنان من العملات الاجنبية.
ثالثاً: عندما يحوّل المودع امواله بالليرة اللبنانية في المصارف الى العملة الاجنبية يؤدي ذلك ايضاً الى زيادة الضغط على احتياطي مصرف لبنان المودع لمساندة الدولة اللبنانية. هذه الحالات الثلاث انتجت فقدان الدولار في السوق. وبناءً على ما آلت اليه الامور نقول انّ الحسابات بالدولار لا يجب ان يتمّ دفعها نقداً. فالنقدي ممنوع في السوق. وعلى الرغم من تردّي الاوضاع لا يمكن اليوم أن تفرض اي جهة كانت، تحويل اي حساب بالدولار الى حساب بالليرة اللبنانية من دون موافقة المودع، لا بفعل قانون ولا من دون قانون، حتى في الدول الشيوعية هذا الامر لا يتمّ.
وأكّد حكيم، انّ المصارف ستستكمل السير بالقيود المفروضة على النقدي حفاظاً على القطاع. مشدداً على انّ لا قيود على التحاويل لنقلها من حساب الى آخر، الّا انّ التحاويل الى الخارج ممنوعة نظراً لأنّها تشكّل عامل ضغط على احتياطي مصرف لبنان.
وعن مدى قدرة المصارف على الاستمرار بإعطاء الدولار نقداً ولو ضمن قيود قال: «إذا استمرت الاوضاع على ما هي عليه، اي من دون حكومة ومن دون العمل على اعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني، سنصل الى ايام لن تتوفّر فيها حتى العملة اللبنانية. للأسف انّ احداً من الطبقة السياسية لم ير بعد الويلات التي تنتظر البلد وأهله. فالمسؤولون في مكان والمواطنون في مكان آخر، لأنّ المسؤولين لا يعانون من أزمة فقدان الدولار ومن أزمة دفع الاقساط المدرسية ومن أزمة الاستشفاء، ومن أزمة المحروقات….لذا هم يتصرفون بلامبالاة واستخفاف تجاه الشعب، وأكبر دليل على ذلك الإرجاء المستمر للاستشارات النيابية».
وأكّد حكيم انّ المشكلة الاساسية اليوم لا تتركّز فقط على الاموال والقيود المصرفية والليرة اللبنانية وسعر صرف الدولار، لأنّ اللبنانيين يتدبرون امورهم. انما المشكلة الاساسية في مكان آخر، وتتمثل بتوقف الدورة المالية رويداً رويداً. على سبيل المثال: انّ المؤسسات التجارية التي تستورد من الخارج توجّهت لدفع مستحقاتها للخارج من حساباتها في الخارج من بلدان اجنبية او بلدان مجاورة مثل فرنسا، انكلترا وقبرص… ما يعني انّ الدورة المالية التي كانت تشكّل عصب الاقتصاد اللبناني توقفت وتحوّلت الى الخارج، وهذا يشكّل خطراً كبيراً على اقتصاد لبنان، وهذا الحل ارتأته الشركات اللبنانية كأحد الحلول الممكنة للأزمة من اجل المحافظة على استمرارية عملها.
من يربح فارق الدولار؟
من جهة أخرى، ومع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار تجاه الليرة، والذي وصل امس إلى 2300 ليرة، بدأ اللبنانيون يُفرجون عن أموالهم المكدّسة في المنازل، لأنّ التصريف بهذه الاسعار باتت تجارة رابحة وسهلة. فما مدى قدرة هذه التجارة على تحريك او تنشيط الحركة الاقتصادية؟
يقول حكيم: «انّ هذا المخرج يساعد فقط في زيادة الطلب على الدولار او العملة الاجنبية بما يؤثر سلباً على العرض، وبالتالي فإنّ استفادة اللبناني موقتة ولا تفيد بشيء، لأننا دخلنا في مرحلة كساد اقتصادي، ومن المعروف انّ الكساد الاقتصادي يساهم في رفع الاسعار، وبالتالي انّ كل ما يعتبره المواطن بمثابة جني ارباح جرّاء صرف الدولار سيذهب فرق عملة نتيجة ارتفاع الاسعار الذي نشهده».
وأضاف: «نحن اليوم امام انكماش اقتصادي واضح، لذا لا يمكن القول ان مالك الدولارات مستفيد».
قيمة الرواتب
ونتيجة هذه الاوضاع، لا شك انّ قيمة الرواتب بالليرة اللبنانية تراجعت، وكذلك القدرة الشرائية. وفي هذا السياق، يقول حكيم: «بالنظر الى موجة غلاء الاسعار التي كانت بدأت حتى قبل الحراك، كانت القدرة الشرائية للمواطن تراجعت بنحو 23%، أما الخسارة اليوم في القدرة الشرائية فارتفعت الى أكثر من 35%. على سبيل المثال، وقبل اسابيع، اشارت التقديرات الى انّ قيمة الراتب المحدّد بمليون ليرة تراجعت الى نحو 660 دولاراً، اما اليوم فبات راتب المليون ليرة يوازي فقط ما بين 400 الى 450 دولاراً».