بات ثابتاً أن التغذية بالتيار الكهربائي شبه غائبة بشكل كامل عن معظم المناطق اللبنانية، ما خلا ساعتين أو ثلاث يومياً. ولم يعد مجدياً استحضار هذا الأمر، إذ بات واقعاً غير مستجد. لكن المستَغرَب، هو استمرار تضييع الأموال على شركات “ليس لديها أي عمل فعلي، وعلى رأسها شركات مقدّمي الخدمات، وشركات أخرى لديها عقوداً مع مؤسسة كهرباء لبنان”. والأموال التي تقدَّر بـ”ملايين الدولارات”، وفق ما تقوله مصادر في المؤسسة، تختفي من أدراج المؤسسة عندما يتعلَّق الأمر بدفع مستحقات العمال والمستخدمين، وتُعَرقَل عمليات التلزيم التي يستفيدون منها، خصوصاً في ما يتعلّق بعقود التأمين للتغطية الصحية.
ووسط ركود هذا الملف، يبرز السجال بين إدارة المؤسسة ونقابة عمالها ومستخدميها التي أعلنت أخيراً الإضراب، الذي ترافق مع اتهامات متبادلة لم تُفضِ إلى حلحلة الأزمة التي يبدو أنها لن تنتهي قريباً.
ملف التأمين عالق لآخر العام
يركّز عمال المؤسسة على ملفّ التأمين الصحي، نظراً لارتباطه بشكل مباشر بأمنهم الصحّي وأمن عائلاتهم. ويشهد هذا الملف حالة من الغموض التي تؤدّي إلى تساؤلات عن مصير “العقد الجديد الموقَّع مع شركة ميدغالف، ومصير العقد القديم مع شركة غلوب ميد، والذي انتهت مهلته مع نهاية العام 2023″، وفق ما تشير إليه المصادر في حديث لـ”المدن”.
وبين الشركتين، يقف العمال في الوسط. فإدارة كهرباء لبنان “من المفترض أنها صدَّقَت نتائج المناقصة التي بموجبها فازت شركة ميدغالف وصدّقت أمر مباشرتها العمل، لكن في الوقت عينه، ما زالت الإدارة تمدد عمل شركة غلوب ميد. وبالتالي، فإن الشركة القديمة لا تزال على رأس عملها وتم تلزيم شركة جديدة بموجب مناقصة تحت إشراف هيئة الشراء العام التي أوصت بتسليم الشركة الجديدة”.
وفي السياق، لدى المؤسسة تبريرها الذي ذكرته في بيان استغربت فيه إضراب النقابة لثلاثة أيام، بدءاً من يوم الأربعاء الماضي. واعتبرت في ما يخصّ عقد التأمين، أن تأخير التلزيم “سببه اعتراض هيئة الشراء العام، على المسار الإجرائي للمناقصة العمومية”. إلا أن النقابة ردَّت على المؤسسة بالقول أن “تأخير تنفيذ عقد تأمين الاستشفاء للمستخدمين سببه إرسال الملف كاملاً لهيئة الشراء العام بغية عرقلته وليس كما جرت العادة بعقود مماثلة، إذ كانت تُرسَل المخالصة. وهذا ما استغربه أيضاً رئيس هيئة الشراء العام (جان العلية). وللتذكير فقط، إن لجنة التلزيم الخاصة بهذا الملف، والتي قامت بواجباتها على أكمل وجه، قد تعرّضت للتهديد خلال قيامها بمهامها.. ولكم الاستنتاج”.
وعلى ضوء ذلك، تتساءل المصادر عمّا إذا كان وراء تأخير التسلُّم والتسليم بين الشركتين “تواطؤ من قِبَل بعض الموظفين المحظيين في المؤسسة”. وبما أن العقد سنوي، ترجِّح المؤسسة استمرار الوضع على ما هو عليه “لآخر العام الجاري”. لكن إذا صحَّت التوقّعات “يمكن لشركة ميدغالف مقاضاة المؤسسة بسبب تأخير تسليمها مباشرة العمل، وبالتالي حصولها على غرامة مالية كبيرة”.
النقابة تعترض “بخجل”
حرّكت النقابة المياه الراكدة داخل مؤسسة الكهرباء، لكن خطوتها المتمثّلة بالإضراب، لا تزال عبارة عن “اعتراض بخجل”، فضلاً عن أنه متأخِّر. فكان أمام النقابة على الأقل 4 سنوات من الملفات العالقة والمحطات المفصلية في حياة المؤسسة، أبرزها تضرُّر المبنى المركزي جرّاء تفجير مرفأ بيروت، وعدم إعادة تأهيله حتى الآن “مع أن الأموال مرصودة لذلك”. وتلفت المصادر النظر إلى أن “هناك أموالاً مرصودة من البنك الكويتي الذي اشترط استعمال المبلغ لإعادة تأهيل المبنى حصراً، في حين أن هناك محاولات في كهرباء لبنان لأخذ المبلغ نحو أماكن واستعمالات أخرى، لكن الدولة والجهة المانحة يرفضان. الأمر الذي يُبقى مبنى المؤسسة مدمّراً حتى الآن، وما يحضر من موظفين، يمارسون عملهم داخل مستوعبات أعِدَّت للعمل المؤقَّت”.
ومع استمرار الواقع المفترض أنه مؤقَّت “هناك موظفون لا يمارسون عملهم من داخل المبنى المركزي، بل من مبانٍ أخرى جرى استئجارها منذ نحو 4 سنوات، أي أن المؤسسة تتكبّد أكلافاً إضافية، فيما مبناها المركزي يحتاج إلى صيانة وتأهيل، وهذا ما لم تعترض عليه النقابة التي عليها على الأقل رفع الصوت بجدية أكبر، للبدء بتأهيل المبنى، والانتهاء بشكل سريع من تأهيل طابقٍ واحد على الأقل، يسمح بالبدء بممارسة المهام بشكل طبيعي، حرصاً على مصلحة المؤسسة والمواطنين الذين يضطرون للتنقُّل مرّتين أو ثلاثة بين أكثر من دائرة لدفع فواتيرهم وإنجاز معاملاتهم”.
النقابة الغائبة تأخَّرَت أيضاً في “فتح ملفات شركات مقدّمي الخدمات وشركات أخرى على علاقة تعاقدية مع المؤسسة، وتقبض مئات ملايين الدولارات التي دفع جزء منها، على سبيل المثال، في أحد أيام العطل الرسمية، ولكن حين يطالب الموظفون بمستحقاتهم وحقوقهم، ترفض الإدارة وتتذرّع بعد وجود الاعتمادات المالية”.
ملفات شائكة ومتشعّبة في مؤسسة كهرباء لبنان، تصل خيوطها إلى وزارتيّ الطاقة والمالية. فالكثير من المستحقات لا تدفع للعمال، والكثير من الأموال تذهب للشركات بلا تدقيق ورقابة. أما الملفات التي يُثار حولها التساؤلات، تبقى محكومة بتوازنات سياسية ومصالح شخصية لنافذين داخل المؤسسة، الامر الذي يُبقي المستحقات المُقَرَّة بشكل رسمي، عالقة، ويُبقي الأموال متدفقة نحو للشركات، ومنها “حوالي 2 مليون دولار بالتراضي لشركة SANTEC الاستشارية لمشروع مقدمي الخدمات. وحوالى 107 مليون يورو لشركة MEP الملتزمة مشروع المحركات العكسية”، وفق النقابة.