ديناميكية قوية لتدفقات الاستثمار المغامر إلى مشاريع الذكاء الاصطناعي

يشهد العالم اليوم موجة غير مسبوقة من التحولات التكنولوجية، تقودها ثورة الذكاء الاصطناعي، التي لم تعد تقتصر على المختبرات أو الشركات التقنية الكبرى، بل باتت محورًا رئيسيًا في قرارات المستثمرين وصناديق رأس المال المغامر.

وخلال السنوات الأخيرة أصبحت هذه التكنولوجيا المتقدمة الوجهة الأولى للاستثمار المغامر (الجريء)، حيث تتسابق الشركات الناشئة على تقديم حلول ذكية تغري المستثمرين بآفاق واعدة للنمو والربحية.

ويعكس هذا التحول ليس فقط الإمكانات الهائلة لهذه التقنية، بل أيضًا التغير في توجهات الأسواق نحو الابتكار كعامل رئيسي في توليد القيمة.

ووفق شركة توفير البيانات بيتش بوك، ضخ مستثمرو رأس المال المغامر حوالي 192.7 مليار دولار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة منذ بداية العام الجاري.

وبذلك يكون هؤلاء المستثمرون قد سجلوا مستويات قياسية عالمية جديدة، ليتجه 2025 إلى أن يصبح أول عام يشهد تدفق أكثر من نصف إجمالي استثمارات رأس المال المغامر إلى القطاع.

وخلصت بيتش بوك إلى أن معظم الاستثمارات ضُخت في شركات ناشئة راسخة في السوق، إذ جمعت أنثروبيك وإكس.أي.آي تمويلاً بمليارات الدولارات خلال هذا الربع، بينما عانى عدد من الشركات الناشئة الأقل شهرة، بالأخص غير المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.

كما أدت تبعات البيئة المشددة للطروحات العامة والاستحواذات إلى عزوف مستثمري رأس المال الجريء عن الرهانات الجديدة على الشركات التي لم تُثبت نجاحها.

ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى كايل سانفورد، مدير قطاع البحوث في بيتش بوك، قوله “أينما نظرنا، نجد السوق مقسمة إلى فئتين، إما تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي أو لا، إما شركة كبيرة أو صغيرة.”

وفي الربع الماضي خصص مستثمرو رأس المال الجريء الأميركيون 62.7 في المئة من الاستثمارات لشركات الذكاء الاصطناعي، فيما خصص نظراؤهم العالميون 53.2 في المئة.

وبلغ إجمالي صفقات رأس المال المغامر نحو 366.8 مليار دولار منذ بداية العام، فيما تزايد نصيب الولايات المتحدة من هذه الاستثمارات إلى 250.2 مليار دولار.

وبينما تجمع قلة من شركات الذكاء الاصطناعي تمويلات كبيرة، فإن الصورة الأكبر للشركات الناشئة أكثر قتامة، وفق ما يراه المحللون.

ويتجه إجمالي عدد الشركات التي تحصل على تمويل رأس مال جريء على مستوى العالم في 2025 إلى تسجيل أدنى مستوى منذ سنوات، وكذلك عدد شركات الاستثمار الجريء التي تجمع تمويلاً جديداً.

على الصعيد العالمي جمع 823 صندوق استثمار مُخاطِر أكثر من 80 مليار دولار إجمالاً منذ بداية العام، ما يمثل انخفاضاً كبيراً عن 2022، عندما جمعت 4430 شركة نحو 412 مليار دولار، وفقاً لبيانات بيتش بوك.

وأشار سانفورد إلى أن ممولي صناديق الاستثمار المُخاطر وشركاء شركات رأس المال الجريء “باتوا أكثر تدقيقاً في وجهة أموالهم، ويركزونها في الذكاء الاصطناعي.”

ولم تكن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي ورأس المال المغامر دائمًا بهذه القوة، ففي بدايات الألفية كانت الاستثمارات في هذا المجال محدودة ومتواضعة، بسبب غموض النتائج التقنية وضعف البنية التحتية الحاسوبية.

ولكن مع التقدم المتسارع في قدرات الحوسبة، وتوفر كميات ضخمة من البيانات، وتحقيق إنجازات ملموسة في التعلم العميق، بدأت شهية المستثمرين تنفتح تدريجيًا. وابتداءً من منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، انفجرت الاستثمارات في هذا القطاع، مدفوعة بنجاحات شركات ناشئة أحدثت تغييرات جذرية في قطاعات مثل الصحة والمال والنقل والتعليم.

وقال بريان ييو كبير مسؤولي الاستثمار في “جي.آي.سي”، وهو صندوق ثروة سيادي في سنغافورة، في حلقة نقاشية خلال قمة معهد ميلكن آسيا 2025 في سنغافورة، “هناك بعض الضجة المبالغ فيها في مجال المشروعات التي لا تزال في مراحلها المبكرة.”

192.7 مليار دولار قيمة الأموال التي ضخت في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة منذ بداية 2025

وتابع قائلا “تحصل أي شركة ناشئة لها أي صلة بالذكاء الاصطناعي على تقييم يعادل أضعافا ضخمة لأي إيرادات صغيرة (يمكنها تحقيقها)… قد يشكل ذلك تقييما عادلا بالنسبة إلى بعض الشركات لكن ربما لا يكون كذلك بالنسبة إلى شركات أخرى.”

ولا تهيمن تقنية الذكاء الاصطناعي على مشهد الاستثمار المغامر من فراغ، فهناك مجموعة من الدوافع التي جعلتها في صدارة اهتمامات المستثمرين.

وتتمتع تطبيقات الذكاء الاصطناعي بقابلية هائلة للتوسع، حيث يمكن تكييف الخوارزميات والخدمات الذكية لتناسب قطاعات متعددة دون الحاجة إلى موارد ضخمة.

كما تُعد نماذج الأعمال المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أكثر جاذبية من حيث العوائد المحتملة، إذ يمكنها تقليل التكاليف التشغيلية وتحسين الكفاءة بشكل كبير.

وإضافة إلى ذلك يراهن المستثمرون على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد موضة عابرة، بل يمثل البنية التحتية للمرحلة القادمة من الاقتصاد الرقمي، تمامًا كما فعل الإنترنت في تسعينات القرن الماضي.

ولا يمكن إغفال التأثير الإعلامي والنفسي، فكلما زادت التغطية الإعلامية لنجاحات الذكاء الاصطناعي مثل برنامج تشات جي.بي.دي من أوبن أي.آي الأميركية، ارتفعت شهية المستثمرين للمجازفة في هذا المجال، طمعًا في أن يكونوا جزءًا من الفرص الذهبية القادمة.

ويرى تود سيسيتسكي، رئيس شركة تي.بي.جي لإدارة الأصول البديلة، أن الخوف من تفويت الفرص يشكل خطرا على المستثمرين لكنه أكد أن الآراء منقسمة بشأن تشكل فقاعة بالفعل في قطاع الذكاء الاصطناعي.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةمحاولات لبنانية مضنية لإيقاظ الإنتاج الزراعي المتعثر
المقالة القادمةتباطؤ الإنترنت… لبنان على حافة العتمة الرقمية