ديوان المحاسبة يخرق «حصانة الوزراء» حكم على الصفدي بهدر المال العام

في سابقة من نوعها تفتح الباب أمام إنهاء مرحلة عدم محاسبة الوزراء مالياً، أصدر ديوان المحاسبة قراراً قضى بتغريم الوزير السابق محمد الصفدي، بعدما تبيّن أنه أهدر مالاً عاماً في أحد التلزيمات غير القابلة للتنفيذ. الصفدي كان وضع الحجر الأساس لمشروع أكدت إدارة المناقصات وجود خلل فيه، فكانت النتيجة، بعد 12 عاماً، عدم إضافة أي حجر على الحجر الأساس، بالرغم من كل ما صرف من أموال

أصدر ديوان المحاسبة قراراً بتاريخ 25/9/2020 يلزم فيه وزير الأشغال العامة والنقل السابق محمد الصفدي بدفع غرامة بقيمة مليونين و500 ألف ليرة لبنانية سنداً لأحكام المادة 60 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، بالإضافة الى غرامة تساوي راتب ثلاثة أشهر تحتسب بناءً على الراتب الذي كان يتقاضاه عندما كان وزيراً. المخالفة تتعلّق بتلزيم مشروع إقامة جسور في منطقة البحصاص – طرابلس بناءً على خرائط أولية وقبل استكمال الدراسة العائدة له، مع علمه المسبق بعدم إمكانية تنفيذ المشروع. هذا التحايل على الإجراءات الإدارية والقانونية لإمرار الصفقات وهدر الأموال العمومية، بات نهجاً يسير وفقه معظم المؤتمنين على إدارات الدولة. مع فارق بسيط أن الوزراء المتعاقبين دأبوا على استخدام حصاناتهم للهروب من المساءلة ورمي المسؤوليات على الموظفين الأقل رتبة عبر استخدامهم ككبش محرقة لفسادهم. من هنا، تأتي أهمية هذا القرار الاستثنائي والأول من نوعه في تاريخ ديوان المحاسبة ولو بعد 12 عاماً على القيام بالمخالفة! ورغم هزالة الغرامة، فإنّ أهمية ما جرى هو في أنه يشكّل فرصة لبناء إطار قانونيّ يمكن استخدامه لمحاسبة الوزراء مالياً، وعدم التذرّع بالحصانة الدستورية التي تمنع محاكمة الوزير سوى أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ويمكن تحويل قضية الصفدي إلى فاتحة لخرق في هذا المجال، ليكون ملفه مقدمة لفتح المزيد من الملفات المشابهة. أما لماذا الصفدي وليس غيره؟ فتقول المصادر المعنية إن «هذا الملف محوّل من التفتيش المركزي منذ سنوات، وبقي نائماً منذ ذلك الحين الى أن وجد العاملون في الديوان ما يخوّلهم محاسبة الوزير وفق قوانين تنظيم الديوان وبشكل مُحكَم حتى لا يتمكّن المدعى عليه من نقضه أو إسقاطه مستعيناً بحصانته أو بعدم اختصاص الجهاز الذي يريد محاسبته».
بدأ مسار محاسبة الصفدي بتاريخ 9/4/2020، بناءً على قرار صادر من الديوان (239/ر.ق.) في إطار الرقابة القضائية على الموظفين. وطلب فيه الى كل من: الصفدي والمهندسين جوزيف بو سمرا وحسن خوندي وعماد الحاج شحادة بيان دفاعهم عن المخالفة المنسوبة إليهم خلال مهلة 60 يوماً، وهو ما حصل فعلاً.
في ما يتعلّق بالصفدي، نسب إليه الديوان الأفعال الآتية: 1- قيامه بإحالة ملف تلزيم أشغال مشروع إقامة جسور في منطقة البحصاص الى إدارة المناقصات بناءً على مستندات الدراسة المسلّمة إليه مباشرة من قبل الاستشاري «يونيتيك» قبل أن تكون لجنة الاستلام المعنية قد تسلّمت دراسة نهائيّة. 2- عدم قيام الصفدي بإحالة مستندات الدراسة الى دائرة الدراسات الفنية وفق التسلسل الإداري. 3- استعجال الإدارة في استكمال الدراسة وملف تلزيم الأشغال وإصراره على قيام الموظفين بإنجاز كل المراحل المطلوبة وتوقيع الإحالات والمستندات اللازمة في مكتبه وفي يوم واحد.
وقد أشار تقرير الديوان بناءً على ما أدلى به الصفدي نفسه، إلى أن «جلسة تلزيم المشروع عقدت فعلاً على مرحلتين في الشهر الثامن من عام 2007 وفي إدارة المناقصات وأرسي الالتزام حينها بشكل مؤقت على شركة الشرق للمعدات». لكن الالتزام نفسه فسخه بعد عام وزير الأشغال الذي تسلّم المنصب بعده أي غازي العريضي بناءً على طلب مقدّم من الشركة الملتزمة «نظراً إلى صعوبة التنفيذ وضرورة تعديل مسارات البنى التحتية بكلفة عالية». هكذا، أهدرت الأموال على الدراسات والمشاريع غير القابلة للتنفيذ وبصورة غير قانونية لأسباب لا تتعلق بالمصلحة العامة طبعاً، إنما بغاية لا ينتفع منها إلا الصفدي والشركة. وفي معرض تبريره لما حصل، أوضح الصفدي أنه لم يعلم بوضع هذا المشروع في الموقع الذي سيجري فيه التنفيذ، لكنه لم ينفذ الى اليوم، سوى من الوسائل الإعلامية. لكن اتضح أن دفاع الوزير السابق يتعارض مع الوقائع، إذ إنه لم يعمد وفق تقرير الديوان، «الى تجميد المشروع ووقف تنفيذه، بل تابع السير به وقام بتصديق الالتزام كما وضع الحجر الأساس للمشروع، الأمر الذي يضعف الى حدّ بعيد الدفاع المدلى به ويفقده مصداقيته». خطأ الصفدي المرتكب يتمحور حول إرسال ملف الدراسة الأولية المسلّمة من الاستشاري الى إدارة المناقصة قبل إنجازها كاملة وقبل أن تكون معدّة للتلزيم. هذا الأمر أدى الى التلزيم ومباشرة الملتزم بالعمل بموجب دراسة أوّلية غير مكتملة تبيّنت في ما بعد الحاجة الى تعديل بنودها وكمياتها وكلفة الالتزام. اللافت أن الصفدي أعاد إرسال الملف نفسه مرتين الى إدارة المناقصات حتى بعد إبداء الإدارة ملاحظات حول الملف الأول، وقد تمّ إجراء التلزيم على أساسها. ما سبق يشكل مخالفة «ارتكاب خطأ أو تقصير أو إهمال، من شأنه إلحاق ضرر مادي بالأموال العمومية أو الأموال المودعة في الخزينة المنصوص عليها في الفقرة 8 من المادة 60 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة». كما يشكل مخالفة للنصوص المتعلقة بإدارة أو استعمال هذه الأموال التي نصّت عليها الفقرة 10 من المادة نفسها. هذه المخالفة معطوفة على استعجال الموظفين والضغط عليهم لإنجاز المعاملات في يوم واحد، كما تخطّيه الأصول القانونية والإدارية في إعداد ملفّ التلزيم وإرساله الى إدارة المناقصات حتى قبل تسلّم الدراسة من قبل الإدارة، موثقة في الإفادات التي أدلى بها كل من رئيس الدراسات الفنية ورئيس مصلحة التصميم والبرامج والمدير العام للطرق والمباني الذين كانوا يتولّون هذه المناصب في حينه. كما أنها موصوفة في التحقيقات التي أجراها التفتيش المركزي ومعززة بالكتاب الرقم 319/ص تاريخ 24/8/2005 الموجّه من الوزير الى المدير العام والذي يؤكد فيه ضرورة «إجراء ما يلزم من تصحيح لبعض الكميات الواردة في ملف التلزيم نظراً إلى السرعة في إعداده بناءً على توجيهاتنا».

رغم ضآلة الغرامة، يبقى القرار مهماً كسابقة تفتح باب محاسبة الوزراء

للصفدي شركاء، أحدهم المهندس عماد الحاج شحادة الذي أعدّ ملف التلزيم بالرغم من عدم اكتمال الدراسة. الحاج شحادة، وفي معرض الدفاع عن نفسه، أنكر صلاحيته ومسؤوليته. لكن بحسب تقرير الديوان، «يبقى من واجبه بصفته معد عقد التلزيم التأكد من معاملة الدراسة المحالة إليه (…) ووجود محضر استلام نهائي، كما الاستحصال على خرائط نهائية من الاستشاري». وبذلك يكون شحادة أيضاً قد خالف الفقرة 8 من المادة 60.
أما رئيس دائرة المشاريع بالإنابة المهندس حسن خوندي، فقد أثبت أن ملف التلزيم أحيل قبل تكليفه بمهامه، فقرر الديوان الكفّ عن ملاحقته. وفي ما يتعلق بمدير الطرق بالإنابة المهندس جوزيف بو سمرا، فقد أوضح أنه شغل هذا المنصب بالإنابة لفترة قصيرة، وأن وزير الأشغال استدعاه الى مكتبه أسوة بباقي الموظفين المعنيّين بالملف وطلب إليهم توقيع ملف التلزيم، فاقتضى الكفّ عن ملاحقته بخصوص المخالفات الدستورية المنسوبة إليه.
لذلك قرر الديوان وبصورة نهائية وفي نطاق الرقابة القضائية على الموظفين، فرض غرامة على الصفدي قدرها مليونين و500 ألف ليرة سنداً الى أحكام المادة 60، بالإضافة الى غرامة تساوي راتب ثلاثة أشهر سنداً الى المادة 61 من قانون تنظيم الديوان. وتغريم الحاج شحادة مليوناً و500 ألف ليرة هو الآخر. وقد أحاط الديوان مجلس النواب بالمخالفات المرتكبة من قبل الوزير السابق وأبلغ القرار الى وزارة الأشغال والنقل – المديرية العامة للطرق والمباني – أصحاب العلاقة – النيابة العامة لدى الديوان ووزارة المالية بغية تحصيل الغرامات المفروضة. كذلك طلب الى وزارة المالية إفادة الديوان تباعاً عن الإجراءات المتخذة من قبلها لتحصيل هذه الغرامات وتواريخ تسديدها. هذه القيمة البخسة محددة مسبقاً في إطار المادة 60 التي نصّت على المعاقبة بغرامة من 150 ألف ليرة الى مليون و500 ألف ليرة لكل موظف ارتكب أو ساهم في ارتكاب إحدى المخالفات الواردة في هذه المادة، بالإضافة الى الإلزامات المدنية والعقوبات الجزائية والمسلكية التي يمكن أن تقضي بها المراجع المختصة. وفي المادة 61 التي تعطي الحق للديوان بمعاقبة الموظف، علاوة على الغرامة، بغرامة تحسب نسبة الى أهمية المخالفة المرتكبة وإلى مقدار الراتب غير الصافي الذي يتقاضاه.

مصدررلى إبراهيم - الاخبار
المادة السابقةالإمارات تطلق مشروع تصميم مسارات التنمية لـ50 عاماً
المقالة القادمةبيان 4 اتحادات عمالية: الانتفاضة هي الحل