في تاريخ 08-04-2020، وخلال الاجتماع مع المجلس الوطني للضمان، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه أنه يعمل على قرار سيُلزم فيه شركات التأمين بتغطية نفقات covid19 العلاجيّة، على أساس أن يشمل القرار كلّ البوالص السارية المفعول (on going). لكن النتيجة كانت أن نعمه قد أرغم شركات التأمين على تغطية كلّ الحالات الاستشفائية الناجمة عن الاوبئة…”مُستقبلاً”. ذلك يعني أن الوزير قد أضاع في الحقيقة نحو شهرين من دون أن يفعل شيئاً، فبقي جزء كبير من المصابين بالوباء الكوروني من دون تغطية بما أنّ بعض العقود تغطي حالات الاوبئة فيما الجزء الأكبر لا يعترف بها.
أصدر الوزير قراره الاخير الاسبوع الماضي، وهو جاء بعنوان “تحديد بعض الشروط الدنيا لتقديمات عقود ضمان الطبابة والاستشفاء، حيث اقتضى أن تتضمن الشروط العامة ولائحة المنافع لعقود ضمان الطبابة والاستشفاء كافة، فرديّة كانت أم عائليّة أو جماعيّة، تغطية تكاليف علاج جميع الامراض الناجمة عن انتشار وبائي او التي تعتبر وبائية (epidemic/pandemic).
يُظهر هذا القرار وعلى غرار غيره من القرارات العشوائيّة، مدى تخبّط الوزير وضَياعه في اتّخاذ التدابير لا سيّما وأن الشركات كانت قد تقدّمت بعدة اقتراحات من دون أن يقبل أيّاً منها ما يدلّ على قلة مسؤولية من قبل الوزير والحكومة جمعاء ومعها لجنة مراقبة هيئات الضمان المكتوفة الأيدي.
“القرار بحدّ ذاته إيجابيّ بالنسبة الى الاشخاص المؤمّنين الا أنه لا يحلّ المعضلة الراهنة، وكلّ ذلك بعدما ترك الوزير الوصي شركات الضمان فريسة سهلة للمستشفيات التي سعّرت أكلاف الاستشفاء من الوباء الكوروني على هواها” يوضح مصدر من القطاع التأميني.
باختصار، لا يحل هذا القرار مشاكل حالات COVID-19 ليبقى السؤال لماذا يجهد الوزير الحالي لتغطية حالات مستقبليّة بدلاً من تغطية الحالات الراهنة؟ ولماذا لم يتم التعاون مع وزير الصحة لإلزام المستشفيات بقبول تسعيرة الضمان عينها حتّى يستفيد أكبر عدد ممكن من المواطنين والمصابين؟ في الواقع، يشبه النهج الذي يعتمده وزير الاقتصاد ذاك الذي يتبعه حاكم مصرف لبنان، فهو لا يلبث أن يتخذ قراراً ظاهره تنظيميّ للقطاع التأميني الا أنّ باطنه إفقاريّ بحت حتى يعود ويتراجع عنه. وبالحديث عن القرارات، ألغى نعمه التعميم الذي كان قد اتّخذه في شباط الماضي والذي منع بموجبه المساهين في شركات التأمين من سحب أرباحهم. رجوع نعمه عن تعميمه مبني على عدم قانونيته وتهديد الشركات بالطعن به أمام مجلس شورى الدولة.
في مقابل ذلك، أعلن مجلس ادارة جمعية شركات الضمان ACAL أمس عن قراره بالاقتراح على شركات التأمين استيفاء الاقساط السنوية لكافة فروع التأمين للبوالص الصادرة بالعملة الأجنبية بنفس عملة البوليصة، أو ما يوازيها بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف السوق المحدد من قبل مصرف لبنان بـ2600 ليرة، على ان تُسدد التعويضات الناشئة عن هذه المخاطر بالطريقة عينها.
في هذا الاطار، يستغرب مصدر متابع التوقيت غير المناسب لاتخاذ قرار كهذا، فرغم أن شركات التأمين تكبّدت خسائر خلال الاشهر القليلة الماضية، الا أنّها راكمت أرباحاً كبيرة على مدى أعوام، وبالتالي بوسعها الرِفق بأحوال اللبنانيين الذين يعانون أصلاً من تراجع القدرة الشرائية بنحو 50% وارتفاع الاسعار بما يوازي 61%، من دون تكبيدهم نتائج “مقامرة” بعضها بلعبة اليوروبوندز ما أثّر على القطاع ككلّ.
في ظلّ هذه المعمعة، من المستبعد أن يتوصّل الوزير الحالي الى حلّ هذه المشكلة أو أن حلوله اليتيمة ستقتصر على الطلب من المواطنين التوقف عن الاستشفاء في مستشفيات خاصة وبالتالي الاستغناء عن تأمينهم الاستشفائي والأمر سيّان بالنسبة الى التأمين على سياراتهم، وهو للمناسبة ما لن يفاجئ اللبنانيين الذين شهدوا على نصائح الوزير “الرنّانة”.
بذلك، ستشخص أعين المواطنين على لجنة الرقابة على هيئات الضمان وتدابيرها. وهنا لا بدّ من الاشارة الى أن موضوع تعيين رئيس أصيل للجنة يتّخذ اهتماماً متزايداً، في ظلّ “تقصير” رئيسة اللجنة الحالية وتحييدها من قبل الوزير نعمه فيما الاسماء (من طائفة الروم الكاثوليك) المطروحة لشغل هذا المنصب هي: رونالد شدياق، كارين إيليّا، وجاسم عجاقة.