رئيس جمعية المصارف… تمثيلية مملّة واستعراض فاضح

وقف رئيس جمعية المصارف، سليم صفير، أمس في افتتاح المؤتمر المصرفي العربي الذي عقد في بيروت ويستمر اليوم، كـ”أمين الصندوق” الذي أساء حفظ الأمانة، ثم وقف أمام مديره يطلب فرصة أخرى لتولي أمانة الصندوق من جديد. بدا خطابه مشهداً تمثيلياً مستهلكاً إلى حد الملل، يعيد إنتاج رواية تبرئة المصارف من أي مسؤولية مباشرة عن الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بلبنان منذ 2019. لم ترتكب المصارف الأخطاء في إنفاق أموال المودعين، كما حاول صفير تصوير ذلك، بل ساهمت في تمويل الدولة لضمان استمرارية رفاهية اللبنانيين على مدار سنوات، وهو ما حاول تسويغه أمام المستثمرين ورجال الأعمال والمصرفيين المشاركين من الإمارات وقطر والعراق واليمن ومصر ودول عربية أخرى.

المؤتمر، الذي حمل عنوان “الاستثمار في الإعمار ودور المصارف”، بدا أنه أجاب على النصف الأول من العنوان فقط: هناك استثمار مرتقب في الإعمار لاسيما في القطاعين السياحي والعقاري، أما المصارف فلا دور لها حتى اللحظة ولن يكون في المستقبل القريب، قبل أن تنظف سجلّها من الأخطاء والانتهاكات التي ارتكبت بحق اللبنانيين والمودعين العرب على حد سواء.

صفير “متسوّلاً” فرصة جديدة

قرأ صفير عنوان المؤتمر بتفاؤل مبالغ فيه، واعتبره “عنوان ثقة بأن لبنان بدأ يستعيد عافيته ودوره من جديد”، متجاهلاً أن المصارف كانت أحد أسباب فقدان هذه العافية الاقتصادية، ولا تزال أحد أبرز العوائق أمام أي عملية إصلاح جدية. استعاد صفير مرحلة العصر الذهبي للمصارف، لكنه لم يغفل عن تمرير رسالة واضحة للقريب والبعيد: ما حصل بعد 2019 كان “أزمة نظامية” تبرئ المصارف من كل مسؤولية مباشرة. وقال صراحة وبكل تصلّف “المصارف لا تتحمل مسؤولية الأزمة”.

انتحب صفير على منصة المؤتمر لما وصفه بـ”الظلم اللاحق بالمصارف والحملات الممنهجة”، متناسياً المقامرة بـ73 مليار دولار ومصير مئات الآلاف من المودعين الذين فقدوا مدخراتهم. تبرأ من أي دور في انفاق الودائع، متهماً الدولة فقط بالهدر والفساد، لكنه تجاهل أن المصارف كانت شريكة أساسية في تمويل مشاريع وهمية، وتقاتلت فيما بينها على تمويل الدولة لتحقيق أرباح خيالية، متجاهلة حقوق المودعين والمستثمرين، ومستغلة علاقاتها بالسلطة السياسية لتحقيق مصالحها الخاصة وقد استمرت تلك الحال حتى اليوم في مجلسي النواب والوزراء حيث تتحكّم المصارف بقرار “لوبي” يقبع في سدّة القرار.

تنصل من المسؤوليات

تعهّد صفير بالعمل مع القطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية والسياحة والتكنولوجيا، رغم أن مصارف جمعيته لطالما كانت ترفض الاستثمار بأكثر من 6 في المئة من موجوداتها في هذه القطاعات، مفضّلة تسليف مصرف لبنان والدولة لتحقيق أرباح مضاعفة.

صدق رئيس جمعية المصارف بتأكيده أن إعمار لبنان لن يكون حقيقياً من دون تمويل مصرفي سليم، لكنه لم يصدق حين تعهّد باستعادة الرساميل وثقة المودعين والمستثمرين، في ظل تعنّت المصارف ورفضها التعاون لإقرار قانون الفجوة المالية وتحمل جزء من المسؤولية إلى جانب مصرف لبنان والدولة والمودعين. لم يصدق أحد التزام المصارف بالتعاون مع السلطات الجديدة لبناء نظام مالي سليم وشفاف، في ظل إصرارها على عدم تحمل المسؤولية وتعمّدها عرقلة الإصلاح المصرفي والاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

واشتكى صفير أخيراً من أن دور المصارف في صياغة مشاريع القوانين “استشاري أكثر منه شراكة”، وهو ما يعني ببساطة أنها تريد التحكم الكامل في الحلول لأزمة هي طرف أساسي فيها، متجنّبة المحاسبة، لتظل الحاكم على نفسها، بلا مساءلة، وبلا أي اعتراف بمسؤولياتها التاريخية. تريد المصارف ببساطة أن تكون المرتكِب والقاضي.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةأسعار السلع أغلى مما كانت عليه قبل الازمة في 2019؟!
المقالة القادمةمصرفيون يُعيدون أموالاً مهرّبة..وهيئة التحقيق الخاصة تتمنّع؟