من تلقاء نفسها، ومن دون مقدّمات، قرّرت اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت الخروج من تحت مظلة قانون الشراء العام، وطالبت وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية بـ«توفير الاستقلالية لإدارة المرفأ». لكن، هذا الطلب المفاجئ وغير المبرر الذي يأتي بعد مرور سنتين على تطبيق قانون الشراء العام، اصطدم بمعارضة شديدة من وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، ومن رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة. إذ إن هذا الأخير أبلغ رفضه، خطياً، لكلّ الجهات الرقابية من ديوان المحاسبة والنيابة العامة فيه، والتفتيش المركزي، ورئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب.بدأ تطبيق قانون الشراء العام منذ آب 2022، وشمل كلّ الجهات التي تتعاطى بالمال العام، وفقاً لتعميم رئاسة الحكومة الرقم 22/2022 الذي نصّ: «على جميع الإدارات والمؤسسات العامة، والهيئات الإدارية المستقلة، والمحاكم ذات الموازنات الخاصة، والمجالس والصناديق، والبلديات واتحاداتها، والأجهزة الأمنية والعسكرية، والبعثات الديبلوماسية، والهيئات الناظمة والشركات، والمرافق العامة التي تديرها شركات خاصة لمصلحة الدولة، الالتزام بتطبيق قانون الشراء العام». وألزم القانون هذه الجهات بالعودة إلى هيئة الشراء العام عند إجراء أي صفقة عامة، سواء كانت مناقصة، أو مزايدة، أو طلب شراء بالفاتورة أو عرض أسعار أو الاتفاق الرضائي.
رغم ذلك، راسل المدير العام للمرفأ بالتكليف عمر عيتاني الوزير علي حمية قائلاً: «اللجنة المؤقتة تدير لحساب الدولة مرفقاً عاماً ذا طبيعة تجارية واقتصادية، ويخضع لنظام مالي مقرّر خاص به». وأشار إلى أنّ المادة 21 من نظام اللجنة المؤقتة لإدارة المرفأ أتاحت لها «ممارسة أوسع الصلاحيات لإدارة أموال وأعمال مرفأ بيروت»، مستنتجاً بأن المرفأ لا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة، ولا لقانون المحاسبة العمومية، ولرقابة مالية خاصة مستقلة عن الرقابة العامة. إذ إن إخضاع المرفأ لهذا القانون «يؤخّر المرفق العام، بل يضرّ أحياناً بسير العمل». واستند إلى وجود حالات خاصة مستثناة من تطبيق هذا القانون مثل شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان وإدارة حصر التبغ والتنباك لتبرير طلبه بمعاملة المرفأ على غرارها وإعطائه استقلالية إجراء الصفقات.
لم يتأخر ردّ حمية فجاء سريعاً، وأصدر مذكرة في 27 آب الماضي تطلب من إدارة المرفأ «التقيّد بتطبيق أحكام قانون الشراء العام، وعدم السير بأي عملية شراء قبل إيداعها الوزارة لعرضها على هيئة الشراء العام». ولفت إلى أنّ «مخالفة مضمون كتابه تعرّض مرتكبها للملاحقة الجزائية، وللإجراءات والتدابير وفقاً للأحكام القانونية، ولا سيّما الفقرة 4 من المادة 111، من قانون الشراء العام». وأعاد التذكير بتعميمه الرقم 5 الصادر عام 2022 الذي طلب فيه من كلّ الإدارات والمؤسسات العامة التابعة لوزارته، 4 مديريات عامة، ومصلحة السكك الحديد والنقل المشترك، و4 مؤسسات عامة تدير مرافئ طرابلس وصيدا وصور وبيروت، التقيّد بمضمون وحيثيات قانون الشراء العام في جميع العمليات واللوازم والخدمات. كما استغرب حمية في كتابه انتظار اللجنة المؤقتة لإدارة المرفأ سنتين كاملتين لإخطار الوزارة بوقف العمل بأحكام قانون الشراء العام، والعودة إلى تطبيق أنظمتها المالية الخاصة السابقة لسريان قانون الشراء العام.
ولفت حمية إلى طبيعة اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار المرفأ، وصلاحيتها، ودور وزارته. «فالمرسوم 7505 الصادر عام 2002 وضع إدارة المرفأ تحت إشراف وزارة الأشغال العامة»، وفقاً لردّ حمية. واستند وزير الأشغال إلى تفسير هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لطبيعة اللجنة المؤقتة، إذ رأت «أنّها إدارة عامة ذات وضعية قانونية خاصة»، وأشارت صراحةً إلى «أنّ حلول إدارة المرفأ محلّ الدولة، بإدارة واستثمار هذا المرفق وفقاً لأصول التجارة، ليس من شأنه أن ينفي صفة الإدارة العامة عن اللجنة، وإن من نوع خاص».
كذلك، رفض رئيس هيئة الشراء العام جان عليّة طلب اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت، مذكّراً اللجنة بأنّ المرفأ يعدّ من الجهات الشارية بالاستناد إلى أحكام الفقرة 3 من المادة 2 من قانون الشراء العام، لذا رأى أنّ طلبها «لا يقع في موقعه القانوني الصحيح، ويخالف بشكل صريح الفقرة 2 من المادة 2». وأنّ الفقرة 1 من المادة 3 من القانون نفسه تنص على عدم جواز قيام أي جهة شارية بأيّ عملية خارج أحكام قانون الشراء العام. فطلب من لجنة إدارة المرفأ الرجوع عن قرارها تحت طائلة المساءلة القانونية، والتقيّد بالتعاميم الصادرة عن رئاسة الحكومة ووزير الأشغال.
من جهتها، غمزت مصادر وزارة الأشغال لوجود رغبة بعقد صفقات يشتمّ منها رائحة فساد خلف تحرّك اللجنة المستجد. وتوقعت أنّ «تكون أسبابه الكامنة هي ارتفاع إيرادات هذا المرفق، ووصولها إلى مئات ملايين الدولارات، بعدما كانت بضع مئات من آلاف الدولارات عام 2022». ولفتت الى أنّه «عندما خرج قانون الشراء العام إلى الضوء، كان المرفأ مدمراً»، حينها «انسحب وهرب آكلو المال العام من المرفأ». ولكن، «الوضع تغيّر منذ 4 أشهر، وبدأت النكوزات».
جان العليّة: الكل يخضع بلا استثناء
أكّد رئيس هيئة الشراء العام جان العلية، وجود 3 جهات لا يشملها قانون الشراء العام: الكازينو، طيران الشرق الأوسط «MEA»، وإدارة حصر التبغ والنتباك «ريجي». وأشار إلى أن قانون الشراء العام حدّد في «الفقرة 3 من المادة 2، الجهات الشارية في الدولة، وسمّتها بالاسم، ولم تقع أيّ إشكالات مع الإدارات والمؤسسات العامة، ولا مع الشركات التي تملك فيها الدولة، ولا حتى الامتيازات مثل كهرباء قاديشا وما يشبهها». ويتابع العليّة:
«الإشكالات وقعت مع هذه الجهات الثلاث فقط، وهناك دعاوى مرفوعة في ديوان المحاسبة من هيئة الشراء العام عليها لإلزامها»، منها ما بُتّ مثل ما جرى مع الكازينو، إذ «اعتبر الديوان يومها أنّه غير خاضع، فامتثلت الهيئة للقضاء»، يقول العليّة الذي لا يوافق على القرار شخصياً. فالكازينو «مرفق عام حصري للعب القمار، و49% من أسهمه ملك للدولة، وخاضع لنوع من الوصاية من عدد من الوزارات مثل السياحة والمالية التي ترسل مراقبي الضرائب إليه». ولكن «بناءً على احترام قرارات دولة المؤسسات، امتثلنا». أما النزاع لفرض الامتثال على طيران الشرق الأوسط والريجي «فما زال مستمراً في ديوان المحاسبة». ويرى العلية أنّ «الريجي إدارة من إدارات وزارة المال، سواء عدّها القانون شركة تتولى مرفقاً عاماً، أو إدارةً عامةً». لكن وضع طيران الشرق الأوسط «أكثر تعقيداً، لأنها شركة تجارية لديها حصرية محليّة، علماً بأنه في مجال شركات الطيران العالمية لا يوجد شيء اسمه مرفق عام. وهناك اجتهادات قضائية حول ملكيتها، رغم أنّ أسهمها تعود لمصرف لبنان، إذ يعتبر القضاء الإداري أنّ المركزي غير الدولة، فيما هناك آراء أخرى ترى في المركزي جزءاً من الدولة»، يضيف العليّة.
أما مرفأ بيروت، فيجزم العليّة بتبعيّته للدولة، حتى لو عدّ إدارة عامة من نوع خاص. «وبصرف النظر عن كلّ الكلام المثار حالياً، المرفأ خاضع لقانون الشراء العام، ولو كانوا شركةً تدير مرفقاً للدولة، فتمويلهم من الدولة، وسلطة الوصاية عليهم هي وزارة الأشغال العامة والنقل». إذاً، كيف نتعامل مع طلب لجنة المرفأ؟ يجيب العليّة: «نحن مع الشمولية، وإخضاع الجميع، وضدّ خروج أحد من تحت عباءة قانون الشراء العام». بالنسبة إلى عليّة، «عند أيّ تعديل لاحق لقانون الشراء العام، يجب تسمية كلّ الجهات في الدولة بالاسم، في حال أراد مجلس النواب».