كلما طال أمد العدوان الإسرائيلي على الجنوب يعني أنه «راح الموسم» بالنسبة إلى أهالي البلدات الحدودية، مع انقضاء موعد قطاف أو بذر زراعات كثيرة كالزيتون والحبوب والغار والأفوكا والقشطة والحمضيات. غير أن الخسارة الأكبر التي تلحق بأهالي معظم البلدات الحدودية هي تلك التي تلحق بزراعة التبغ التي يعتاش منها الآلاف. انقضاء موعد تشتيل التبغ فيما المزارعون النازحون بعيدون عن أراضيهم، لا ينعكس ضرراً اقتصادياً عليهم فقط، وإنما أيضاً نقصاً في إنتاج إدارة حصر التبغ والتنباك («الريجي»).في خلة المحافر وعريض الهوى والشقة ومرج الزقاق في جبل الباط، تتركز ثروة عيترون الزراعية، حيث البرك الزراعية والمراعي ومزارع المواشي وحقول التبغ وسهول القمح والترمس والخضر. ومنذ الأيام الأولى للعدوان، تعمد العدو قصف هذه المناطق بالقذائف الفوسفورية. في صريفا، على التلة المقابلة، ينتظر يوسف خريزات (74 سنة) أي هدنة ليعود إلى بلدته عيترون. بعد التحرير عام 2000، ترك صريفا التي أقام فيها إبان احتلال مسقط رأسه وعاد إلى عيترون. لم يخطر في باله أنه سينزح مجدداً بعد 17 عاماً من الهدوء الذي أعقب عدوان تموز 2006. «منذ نشأتي، تهجرنا مراراً بسبب اعتداءات العصابات الصهيونية. لكن هذه المرة هي الأصعب. كبرنا ولم نعد نحتمل التهجير وظروفنا المادية لا تسمح بأن نترك منزلنا طويلاً». يقيم خريزات في منزل نجله وليد (47 عاماً) الذي استقرّ في صريفا. يربط الأخير سنوات عمره بالاعتداءات والاجتياحات الإسرائيلية، «في اجتياح 1978 نزحنا إلى الوردانية، وفي اجتياح 1982 تنقّلنا بين شقرا والصوانة وخربة سلم». رغم استقراره في صريفا بعد التحرير، استثمر وليد خريزات في الزراعة وفي ضمان أراضٍ في سهل المحافر: «كنت أزرع الترمس. ترمس عيترون من أجود محاصيل المنطقة. وهذا الموسم كنت أنوي أن أزرع القمح».
«نصيبنا في عيترون أننا على حدود فلسطين» المحتلة، تقول ثريا ضاوي (90 عاماً). «كنت في العاشرة، عندما كان والدي يحملني مع إخوتي الأطفال ويهرب بنا إلى عيناتا لنختبئ في كروم العنب ليلاً قبل أن يعيدنا إلى عيترون في الصباح. عصابات اليهود بدأت اعتداءاتها على البلدة منذ العشرينيات. واستولت على بلدتي المالكية وقدس وهجروا أهاليهما الذين استقر بعضهم في عيترون وآخرون قرب صريفا (تعرف بالنفاخية اليوم) فيما تشتتت البقية في مناطق مختلفة». لاحقاً، صار الهروب أطول. «تهجرنا في الستينيات إلى كونين. كنا نبذر التبغ في سهل عيترون، وعندما يشتل نقلعه ونحمله إلى كونين لنزرعه حتى القطاف».
في محاولة لإنقاذ الموسم من الضياع، بادرت «الريجي» إلى بذر التبغ في مشاتل تابعة لها، لتوزيع شتولها على المزارعين فور عودتهم إلى بلداتهم بعد انتهاء العدوان، ما يوفّر عليهم مرحلة التشتيل. وأوضح رئيس إدارة حصر التبغ والتنباك ناصيف سقلاوي أن «موسم تشتيل التبغ يكون بين كانون الأول وشباط، لذلك زرعت أراضي الريجي تملكها وأخرى استأجرتها في السعديات والجنوب لتشتيل التبغ بدلاً عن المزارعين، وعندما يعودون إلى أراضيهم سنوزعها عليهم مجاناً». وقال إن «نحو 5300 مزارع من أبناء البلدات الحدودية التي تنتج بين 45 و50 في المئة من إنتاج التبغ السنوي، سيستفيدون من هذه المبادرة الاستباقية». ولفت إلى اتفاق مع بلدية رميش لزيادة إنتاج موسمها الحالي من التبغ من أجل تعويض النقص المتوقع في الإنتاج الذي ستتسلمه «الريجي» في بداية الخريف المقبل، مشيراً إلى أن رميش «آمنة نسبياً ولا يزال 40 في المئة من مزارعيها فيها، ويقع سهلها بعيداً عن الحدود».
لكن ماذا سيكون مصير الشتول في حال طال العدوان إلى ما بعد شهرين؟ مدير الزراعة والمشترى في الريجي جعفر الحسيني أكد أن «الشتول لن تذهب هدراً، وفي حال استمر العدوان، يمكن أن نحوّلها إلى مزارعين آخرين في بلدات جنوبية آمنة وإلى مزارعي البقاع».