تداخلت الرسائل المتباينة الواردة عن الوضع الاقتصادي في الصين، بين إيجابية دعمت العملات المحلية وأسواق الأسهم والسلع، وأخرى سلبية تُظهر نظرة مستقبلية «غير واثقة» أدت إلى تسرب رؤوس الأموال نحو الخارج.
وواصل بنك الشعب (المصرف المركزي) الصيني ضخ كميات كبيرة من السيولة النقدية في النظام المصرفي لليوم الثاني على التوالي، حيث ضخ الثلاثاء 385 مليار يوان (53.58 مليار دولار) من خلال عمليات إعادة شراء عكسية لأجل 7 أيام بفائدة قدرها 1.8 في المائة، بعد أن كان قد ضخ، يوم الاثنين، 332 مليار يوان (46.2 مليار دولار) من خلال عمليات إعادة شراء عكسية لأجل 7 أيام بفائدة قدرها 1.8 في المائة أيضاً.
ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الحكومية عن المصرف المركزي القول إن هذه الخطوة تستهدف المحافظة على السيولة النقدية في النظام المصرفي مقبولةً ووفيرةً في نهاية الشهر.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصينية مجموعة إجراءات تستهدف تحفيز النشاط في مختلف قطاعات الاقتصاد، حيث أصدر المصرف المركزي توجيهات قومية لتخفيف شروط قروض التمويل العقاري لفئات محددة من المشترين. وستسمح هذه التغييرات بتخفيض الدفعات الأولى من ثمن العقار التي يدفعها المشتري وكذلك أسعار الفائدة على قرض التمويل العقاري.
كما أعلنت بورصات شنغهاي وشنشن وبكين الصينية تخفيض الحد الأدنى لنسبة الضمان لتمويل شراء الأوراق المالية من 100 في المائة إلى 80 في المائة في إطار إجراءات تعزيز سوق الأوراق المالية الصينية.
وقالت البورصات الثلاث إن هذه الخطوة التي وافقت عليها لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، ستدخل حيز التنفيذ بعد إغلاق تعاملات يوم 8 سبتمبر (أيلول) المقبل.
من ناحيته، قال مصرف الشعب إن خفض الحد الأدنى لنسبة الضمان بشكل معتدل سيُساعد على استخدام الأموال المتاحة بشكل جيد.
* دعم متواصل
من جهة أخرى، ذكرت «بلومبرغ» مساء الثلاثاء، أن أكبر المصارف المملوكة للدولة في الصين تدرس خفض أسعار الفائدة على الودائع للمرة الثالثة خلال عام. وقال التقرير نقلاً عن أشخاص مطلعين على الأمر إن البنك الصناعي والتجاري الصيني، وبنك التعمير الصيني، ومقرضين آخرين، قد يخفضون أسعار الفائدة على الودائع بالعملة المحلية بما يتراوح بين 5 و20 نقطة أساس.
كما أظهرت بيانات من وزارة المالية الصينية، يوم الثلاثاء، أن أرباح الشركات المملوكة للدولة ارتفعت 3.9 في المائة على أساس سنوي في الأشهر السبعة الأولى من العام.
ووسط إجراءات الدعم، واصل اليوان الصيني ارتفاعه أمام الدولار لليوم الثاني على التوالي، حيث حدد المصرف المركزي السعر الاسترشادي للعملة الأميركية بمقدار 7.1851 يوان لكل دولار، يوم الثلاثاء، مقابل 7.1856 يوان لكل دولار، يوم الاثنين.
كما ارتفعت أسعار النحاس يوم الثلاثاء، مع خفض الرهانات على انخفاض الأسعار بعد أن تحركت الصين، أكبر مستهلك، لتعزيز أسواق الإسكان والأسهم المتعثرة قبل بيانات من قطاع التصنيع.
وارتفع النحاس القياسي في بورصة لندن للمعادن 0.9 في المائة إلى 8428 دولاراً للطن المتري بحلول الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش. وقال أليستر مونرو، استراتيجي المعادن الأساسية في «ماركس»: «الإجراءات الصينية الأخيرة تدعم الرغبة في المخاطرة»، مشيراً إلى التخفيضات في مراكز النحاس المكشوفة من مستشاري تجارة السلع الأساسية.
وتنتظر أسواق المعادن الصناعية استطلاعات مديري المشتريات في قطاع التصنيع الصيني، وهو المحرك الرئيسي للطلب على المعادن الصناعية، يوم الخميس، وسط توقعات بالشهر الخامس من الانكماش.
* مخاطر ومخاوف
لكن رغم زخم الإجراءات الجديدة، قال فو وانغون رئيس البنك الزراعي الصيني، في مؤتمر صحافي بعد إعلان الأرباح، يوم الأربعاء، إن هامش صافي الفائدة للمصارف الصينية سيواجه مخاطر نزولية في النصف الثاني من هذا العام. موضحاً أن البنك سيعزز إدارة مخاطر القروض والسيطرة على التكاليف.
وفي مؤشر على تراجع الثقة الاقتصادية بوجه عام بين المستثمرين الصينيين خلال الشهور الماضية، قال مجلس الأعمال البرازيلي – الصيني، يوم الثلاثاء، إن الاستثمارات الصينية في البرازيل تراجعت بنسبة 78 في المائة في عام 2022 مقارنةً بالعام السابق، لتصل إلى أدنى مستوياتها في 13 عاماً مع تراجع الأموال المخصصة لمشروعات الموارد.
وضخت الصين، أكبر شريك تجاري للبرازيل، 1.3 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة إلى البلاد العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ عام 2009، وفقاً لدراسة أجراها مجلس الأعمال.
وتدفقت أموال التجزئة إلى الصناديق المتداولة في البورصة وصناديق الاستثمار المشتركة الصادرة بموجب برنامج المستثمر المؤسسي المحلي المؤهل، وهو إحدى القنوات القليلة لاستثمار الأموال الصينية في الخارج، مما ترك مديري هذه الصناديق يتدافعون للحصول على المزيد من الحصص في ظل برنامج الاستثمار المؤسسي المحلي المؤهل.
وقال محللون إن أولئك الذين يستثمرون في منتجات الاستثمار الخارجي، لم يعودوا راضين ببقاء استثماراتهم في أسهم هونغ كونغ، لكنهم يبحثون عن مسارات تتيح لهم الوصول إلى الأسواق الأميركية واليابانية وحتى الأسواق الناشئة مثل فيتنام والهند مع تعثر الاقتصاد الصيني.
وأظهرت بيانات «مورنينغ ستار» أنه تم إطلاق 38 صندوقاً قياسياً للتداول هذا العام حتى 17 أغسطس (آب)، وهو ما يتجاوز 31 صندوقاً تم إطلاقها في عام 2022.
وقال إيفان شي، رئيس الأبحاث في شركة «زد بن أدفايزورز» الاستشارية للصناديق ومقرها شنغهاي: «لقد ظهر الطلب على الأسهم الأميركية منذ أواخر العام الماضي، وازداد قوة هذا العام بسبب العوائد المربحة. ويتم البيع في صندوق (ناسداك) بشكل جيد للغاية».
وقد تم استنفاد إجمالي حصة صندوق الاستثمار الخارجي البالغة 165.5 مليار دولار تقريباً، وهناك طلب على المزيد، كما يقول مديرو الصناديق، حيث يبحث المستثمرون المحليون عن بدائل لانخفاض قيمة الأسهم والعقارات في الداخل.
ويتوقع ليو دونغ، رئيس الأعمال الدولية في «تيانهونغ» لإدارة محافظ الاستثمار، أن تصل تدفقات رأس المال إلى الخارج إلى مستويات تاريخية، ويقول إن الوضع يختلف عن موجة التدفقات الخارجة الضخمة في عام 2015 وسط انخفاض قيمة اليوان «الذي كان مدفوعاً بالمعاملات غير الرسمية». وقال ليو: «هذه الجولة تتم بشكل رئيسي من خلال القنوات المشروعة. بدلاً من بيع رأس المال الأجنبي للأسهم الصينية، هذه المرة الاستثمار الخارجي بالأساس للمستثمرين الصينيين».
وقالت «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول، التي تدير أعمالاً كبيرة عبر الحدود في الصين، إنها شهدت اهتماماً متزايداً بالصناديق الخارجية. وقال دي إيزيريه وانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «جي بي مورغان» لإدارة الأصول في الصين: «على المدى الطويل، نعتقد أن الاهتمام سيبقى مرتفعاً بسبب متطلبات التنويع العالمية للمستثمرين المحليين».