مع استعار الأزمة المستفحلة مالياً واقتصادياً ومعيشياً، تتشعّب الملفات الساخنة على الساحة الداخلية وتبدو أولويّة كل منها بارزة مع فقدان ترف الوقت الذي يتسابق مع “الارتطام الكبير”.
فمع وصول الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين لمتابعة أكثر الملفات دقةً وحماوة، وصل الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في لبنان فريدريكو ديما إلى بيروت في 21 الجاري، وهو متخصّص في سياسات الأسواق الناشئة والاقتصادات ذات الدخل المنخفض، ومَنصبه شاغر منذ 11 سنة.
بديهي أن يتابع ديما الاتفاق الأوّلي بين لبنان وصندوق النقد، ويطلع على تفاصيله وحيثيّاته، وكان سبقه كلام للسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو لموقع “ici beyrouth” عن 17 مليار دولار للبنان من الدول المانحة في إطار مساعدته على النهوض، وكانت رأت في الاتفاق المبدئي مع الصندوق “أمراً لا بدّ منه، إذ يشكّل الوسيلة الوحيدة للخروج من الأزمة”، فهل يشكّل الموقف الفرنسي رسالة واضحة للمسؤولين اللبنانيين لاستعجال التفاوض مع الصندوق؟
الخبير الاقتصادي الدكتور وليد أبو سليمان يؤكد لـ”المركزية” هذه الرسالة، ويلفت إلى أن “الاتفاق مع صندوق النقد هو بمثابة “جسر العبور” كي يحصل لبنان على دعم الدول المانحة والصناديق الدولية، فلبنان بحاجة إلى هذا “الختم” كي يتمكّن على الأقل من طلب قروض ميسَّرة أو هبات، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة في تاريخه”.
ويشير هنا إلى “شروط يفرضها الصندوق ومنها “إعادة هيكلة المصارف، وقوانين على مجلس النواب إقرارها كالـ”كابيتال كونترول”، والسريّة المصرفيّة، ومشروع الموازنة العامة”، ويتابع “كما على الحكومة بالتنسيق مع مصرف لبنان توحيد سعر الصرف، وإعادة هيكلة المؤسسات العامة، والحَوكَمة، وإصلاح قطاع الكهرباء”.
ويقول: “عملياً، كي يستطيع لبنان توقيع أي اتفاق يَلزمه حكومة قائمة، فصندوق النقد الدولي لا يوقّع إطلاقاً أي اتفاق مع حكومة تصريف أعمال، علماً أن الاتفاق الأوّلي يَخلص إلى حصول لبنان على 3 مليارات دولار من صندوق النقد، مع الإشارة إلى أن هناك قرضاً استثنائياً يساوي 10 مرات حصّة لبنان لدى الصندوق التي تصل إلى حدود 9 ملايين و860 ألف دولار أي يحصل لبنان من صندوق النقد كحدّ أقصى على 8 مليارات دولار.
وعن مقولة أن “لبنان ليس بلداً مُفلساً بل دولة يعشعش فيها الفساد والسرقة والزبائنية والمحاصصة”، والتشديد على الاستفادة من أصول الدولة والاستعانة بشركات عالمية توظّف هذه الأصول وتستثمرها وتًحسِن إدارتها بالتشارك بين القطاعين العام والخاص، على سبيل المثال: قطاع الخليوي، الـ”ميدل إيست”، الكازينو، المرفأ، المطار، المعابر، يذكّر أبو سليمان بمصطلح معروف وهو أن الدول لا تُفلِس، بل الشركات والمؤسسات أما الدول فلا بل تتعثّر، ويقول: لبنان اقتصاده صغير إنما لديه بالتأكيد أصول مهمة واحتياطي ذهب يحتل المرتبة الثانية في الشرق الأوسط، لكن المشكلة تكمن في عدم إجراء الإصلاحات المطلوبة، التي في حال طُبّقت نُحسِن إدارة تلك الأصول وبالتالي تأتي بالمردود المأمول.
ويعتبر أن “الإصلاح الأوّل الذي يجب القيام به هو تغيير الطاقم السياسي وإلا لا يُمكن لـ”مَن خرّبها أن يُصلِحها”.