من نافل القول ألا تخاطب قاضٍ كي تحدثه عن معنى العدالة، وهو المؤتمن بداهة على إحقاق العدل، والسهر على تطبيقه !
وإنه لضرب من إضاعة الوقت، أن تخاطب قاضٍ قد حسم أمره، واتخذ قراره عن سابق تصور وتخطيط، بطعن العدالة ونحرها، والمشي في جنازتها !
خطابنا اليوم موجه إلى رأس الدولة، ليس بصفته رئيساً، ولكن بصفته ضابطاً، وقائداً سابقاً للجيش، وابن مؤسسة عسكرية شعارها: الشرف والتضحية والوفاء.
معلوم أن الضابط، يتربى على أخلاق الجندية، وإحترام القسم، وعلى الإنضباط الصارم، وفوق كل ذلك، على الإستعداد للتضحية بروحه صوناً لوطنه، ودفاعاً عن حقوقه .
والوطن ليس تراباً وجبالاً أو سهلاً وبحراً فقط، إنما الوطن شعبٌ، وحين يستشهد الجندي، فهو يستشهد دفاعاً عن شعبه وعن حقه في وطنه .
وليس من قبيل الصدفة أن يبدأ شعار المؤسسة العسكرية بتراتبية دقيقة، تتصدرها عبارة الشرف أولاً، فشرف الإنسان هو حقيقته وجوهره، وهو الإنسان ذاته !
فلا يكون الإنسان إنساناً إذا ما تنازل عن شرفه، الذي يُحتم عليه الشعور بالمسؤولية العميقة تجاه معاناة شعبه، ويجعله وفياً لقضايا مجتمعه، ويُنَّمي لديه استعداد التضحية في سبيل وطنه .
نخاطب في شخص الرئيس، الضابطَ، صاحب الشرف العسكري الرفيع، الذي لا يقبل الظلم لمواطنيه، مثلما لا يقبله لنفسه، ونسأله: هل يا ترى، لو وَضَع نفسه، أو أحد أبنائه، مكان هذه الشريحة الكبيرة من شعبه، التي سُرق جنى أعمارها في المصارف، هل كان ليرضى بأن يُعامل، بالطريقة التي يتم طرحها من جناب “القاضي الدولي” وزمرة من وزرائه، متآمرة على حقوق الناس، بهكذا خطة، أقل ما يقال فيها، أنها مؤامرة موصوفة، وجريمة نكراء بحق المودعين؟!
وهل يا حضرة الضابط المغوار، الضابط الإنسان، الضابط الأب، الضابط المؤمن والمؤتمن على الدستور، هل تقبل لنفسك
أو تتقبل بأن يدعوا الناس عليك، وعلى أولادك، دعوة مظلومٍ خَسِر جنى عمره، نتيجة مؤامرة حيكت بخساسة، وبعقلية إجرامية لا تعرف الرحمة؟!
أو هل تقبل بأن يُسجل في تاريخ لبنان، أنك الرئيس الذي وافق على ظلم شعبه وقهره وسرقة أمواله ؟!
يا فخامة الرئيس، حين تأوي إلى فراشك، وتضع رأسك على مخدتك، هل يتردد في مسامعك، صراخ أبناء شعبك في الشوارع والساحات، يشكون معاناة بعد رغد، وضيق بعد بحبوحة، ويذرفون دموعاً حارة على جنى عمر نُهب منهم غدراً، دموعاً كالجمر تحرق قلوبهم ؟
ماذا حرّك فيك يا فخامة الرئيس، وأنت أب، أنينُ آباءٍ مسَّتهم الفاقة، ويتلوون على نار معاناة ممتدة لأكثر من ست سنوات، يقاسون الأمرّين، ليس لذنب إقترفوه، سوى أنهم وثقوا بنظام سياسي ومالي فاسد، نهب أموالهم وما زال ممعناً، ومُصِّرا”، على تعريتهم حتى من كرامتهم؟!
هل ترضى لنفسك يا فخامة الرئيس أو لأحدٍ من عائلتك هكذا ظلم وهكذا غبن؟!
نستحلفك بشرفك العسكري، وبضميرك الإنساني الحي، حين تختلي مع نفسك، هل أنت مقتنع ضمنيا”، وهل ضميرك مرتاح تماما”، للخطة-الجريمة المقترحة لإعادة أموال الناس؟!
نستحلفك بالقيم النبيلة التي نشأت عليها في بيتك، وفي المدرسة الحربية، مدرسة الكرامة والشرف والعنفوان، أن تضع نفسك مكان الناس المظلومين، المكسوري الخاطر، الذين يمدون يدهم نتيجة العَوَز الذي وصلوا إليه، وكلهم كرامُ، وتخبرنا بماذا تشعر عملا” بقاعدة : إرض لنفسك ما ترضاه لغيرك ؟!
يا فخامة الرئيس، إذا كان بتنفيذ هذه الجريمة، ستستقيم أوضاع لبنان، ويَعُّم الإزدهار والبحبوحة، وتسود العدالة، فنحن مستعدون للمسامحة والتنازل عن حقوقنا !
ولكن متى صان الظلم مجتمعاً؟! ومتى عمّر القهر وطناً ؟! أو متى بنى الغدر ثقة؟!
يا فخامة الرئيس، هل تظنون، أن الذي تعرّى من كل شيء إلا من عزّة نفسه، هذا الإنسان المسحوق والمظلوم، سيرضى بالضيم، ويسامح سفاحيه على قاعدة المسامح كريم وعفا الله عما مضى ؟!
ولو كنت فخامتك، واحداً من هؤلاء المظلومين، المسروق جنى أعمارهم تآمراً وعدواناً، هل كنت لتسامح سارقيك الذين سببوا لك، ولعائلتك، كل هذه الآلام والمعاناة والمهانة، أم ستنتقم منهم مهما كلّف الأمر، كرد إعتبار لكرامة جريحة، ولجنى عمر بدده هؤلاء اللصوص المجرمون ؟!
يا فخامة الرئيس،
نأمل أن تتلمسوا ما تنطوي عليه كل كلمة في خطابنا من حرقة ومعاناة، ومن مناشدة لشخصكم الكريم، كي تكونوا الحصن الأخير في الدفاع عن العدالة، وعن الإنسان، قبل التراب، إذ لا قيمة لوطن إنسانه يرزح تحت الظلم والعذاب !…
إن التاريخ لا يسجل الوعود والأقوال، إنما يسجل الأفعال والأعمال !
تشبهوا يا فخامة الرئيس بصاحب العيد، واضربوا تجار الهيكل ولصوصه، بيد من حديد، فتسجلوا موقفاً للتاريخ، يكون فخرا” لكم، و منارة لأجيالٍ لم تولد بعد !



