لا تريد السلطة السياسية التعامل مع الوضع المعيشي للموظفين بجديّة، وتفتش عن كلّ الحجج لتحميله مسؤولية تشغيل وإدارة المرفق العام، من دون أن تنظر إلى هزالة التقديمات على إثر الانهيار الاقتصادي. تستمر الحكومة في الهروب من فكرة التصحيح الشامل للأجور، وتلجأ بدلاً من ذلك إلى إعطاء زيادات على الرواتب، آخرها في مشروع مرسوم لـ«إعطاء تعويض شهري مقطوع عن شهرَي أيلول وتشرين الأول لموظفي الإدارة العامة» وقّعه أمس وزير المالية يوسف الخليل. ويقضي المقترح الذي سيصدر فور توقيعه من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بـ«تعديل المادة الثالثة من المرسوم 11227، وإعطاء العاملين في الإدارات العامة حصراً، من دون السلك التعليمي أو العسكري، تعويضاً شهرياً يبدأ بـ 10 ملايين ليرة لموظفي الفئة الخامسة، ويصل إلى 18 مليون ليرة لموظفي الفئة الأولى».
للحصول على التقديمات الإضافية، فرض مشروع المرسوم على الموظفين الإداريين «الحضور الفعلي كامل أيام الدوام الرسمي خلال شهرَي أيلول وتشرين الأول»، فمن يحضر من الموظفين لأربعة عشر يوماً شهرياً يحصل على الراتب مضاعفاً سبع مرات، ومن يتمكن من الوصول كامل أيام الدوام يحصل على الرواتب السبعة والزيادة، بالإضافة إلى بدل النقل، ما يجعل الراتب يصل إلى حدود الأربعين مليوناً، أي حوالي 450 دولاراً، للموظف في الفئة الثالثة. وفي حال تغيّب الموظف لأي إجازة، ولو كانت مبرّرة، كالإجازة المرضية أو الإدارية، لأكثر من أربعة أيام، فـ«لا يحق له الاستفادة من التعويض». أما تمويل هذه الزيادات، فمن السلفة المعطاة لوزارة المالية بموجب المرسوم 11301 في نيسان الماضي.
بالجنون والانفصال عن الواقع، وصف الموظفون مشروع المرسوم. السلطة السياسية تريد من الزيادات إعادة فتح الإدارة العامة، ولا سيّما دوائر وزارة المالية المسؤولة عن الجباية، مثل العقارية. ولكن الموظفين رفضوا تماماً مبدأ «السخرة، واعمل حتى نعطيك، وتحميلهم مسؤولية تسيير المرفق العام»، في حين «لن يتمكن الموظف من الوصول إلى مركز عمله من الأساس». فعصب الإدارة العامة، أي موظفو الفئتين الثالثة والرابعة لا تزيد التقديمات الحكومية لهم عن 14 مليون ليرة، و«هذا المبلغ لا يغطي بدل النقل الإضافي»، بحسب النقابي وليد الشعار، مستغرباً «ذهنية ربط إنتاجية الموظف بحقه بالحصول على الراتب، إذ يجب أن تدرج هذه المساعدات والزيادات المالية كلّها في صلب الراتب، لا أن تبقى مشروطة بالحضور». وتساءل عضو الهيئة الإدارية لرابطة القطاع العام ابراهيم نحال عن «تأمين الحكومة للمتطلبات اللوجستية في الدوائر لتمكين الموظف من القيام بعمله، كتأمين الكهرباء والقرطاسية وإصلاح الأعطال».
وحول الإصلاحات الضريبية الواجبة، لفت الشعار إلى «إدخال الدولارات الجمركية إلى الخزينة على سعر 15 ألف ليرة للدولار، ما يظهر بأنّ الخزينة شبه فارغة». وتساءل عن «كيفية الحصول على الإيرادات، في حين لا يدفع التجار للدولة الضرائب الواجبة عليهم، ولا يتمكن المراقبون في المالية من القيام بجولات، إذ لا تزيد يوميّتهم عن 35 ألف ليرة»، مشيراً إلى «توزيع تجار الجملة البضائع على المحال من دون فواتير للتهرب من دفع الضرائب».
«الزيادات هي رشوة مؤقتة»، بحسب نحال الذي تساءل عن حال الموظف بعد أيلول وتشرين الأول، وطالب بـ«حل جذري، فالمطالب الأساسية تتلخص بتصحيح الأجور، ودمج الزيادات في أصل الراتب، ودراسة تسعيرة خاصة بالموظفين على منصة صيرفة لا تزيد عن 15 ألف ليرة للدولار». كما لفت إلى تغاضي الحكومة تماماً عن تعديل التعويضات الاجتماعية، فلا يزال الموظف يتقاضى 33 ألف ليرة شهرياً عن الولد، و60 ألفاً عن الزوجة.