“الصحف المعدّة للتلف، أغلى سعراً من الجريدة نفسها”. بهذه العبارة، يرد صحافي يعمل في جريدة يومية لبنانية، على واقع الصحف الورقية في لبنان بعد ارتفاع كلفة انتاجها، في ظل الأزمات المالية والمعيشية القائمة، والتي حاولت نقابة الصحافة اللبنانية، اليوم الثلاثاء، إيجاد حل لها، عبر رفع سعرها الى خمسة آلاف ليرة. ورفع السعر، في هذه الحالة، لا يتعدى كونه محاولة لتسجيل نقطة معنوية. فهم على دراية بأن عائدات الصحف الورقية تقلصت منذ العقد الماضي، بشكل كبير جداً، وأصبحت معها الصحيفة عاجزة عن الإيفاء بكلفة انتاجها.
كما تدرك النقابة أن الأزمة الوجودية التي تعانيها الصحف، سبقت الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وتفاقمت بشكل أساسي مع تراجع المال السياسي منذ العام 2014 بأقل تقدير، وقبل ذلك مع تقلص الاعلانات التجارية منذ الأزمة الاقتصادية التي طاولت العالم العربي في العام 2008. وقد انتهت عائدات إعلانات المؤسسات الحكومية المنتجة في لبنان، بشكل أساسي، منذ العام 2018، على ضوء خسائر قطاع الاتصالات مثلاً، وتراجع عائدات شركة طيران الشرق الاوسط، فيما انتهت عملياً عائدات المؤسسات التجارية التي كانت ضليعة بدعم الصحف مثل المصارف والمصرف المركزي، مع الأزمة الأخيرة.
تلك الوقائع لم تُخفَ عن النقابة التي ناقش مجلسها شؤوناً مهنية متصلة بالصعوبات التي تعترض الصحف والمطبوعات جراء تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية والتي انعكست نفسها على استمرارية عمل العديد من الصحف والعاملين فيها، كما جاء في بيان النقابة. وأوضح البيان أن “المجلس ناقش في اجتماعه، الخطوات الآيلة للحد من تلك التداعيات ومنها كإجراء أولي امكانية رفع سعر الصحف اليومية الى خمسة آلاف ليرة لبنانية والمجلات خمس وعشرون ألف ليرة لبنانية”.
وتثير التوصية حول سعر الصحف، استغراباً لدى كثيرين لا يعرفون كم يبلغ ثمنها منذ العام 2018 على أقل تقدير. قلة قليلة فقط تعرف سعر الصحيفة الورقية في لبنان، علماً أن توصية من هذا النوع، لا يمكن أن تغطي نفقات الصحيفة بأي شكل من الاشكال، ولا كلفة توزيعها التي ارتفعت بشكل قياسي مع ارتفاع أسعار المحروقات، ولا ثمن الورق الذي يتخطى سعر كل طن منه الـ800 دولار، عدا عن الحبر وكلفة الطباعة. وينطبق الامر نفسه على المجلات الورقية التي ارتفع سعرها خمسة أضعاف.
تقف النقابة عاجزة عن تغيير أي معطى في حال الصحف التي تقفل الواحدة تلو أخرى، ولم تستطع جذب القراء، في ظل انتشار الاخبار في مجموعات “الواتسآب” ومواقع التواصل. الجهد الوحيد الذي تقدمه، أنها تأتي بالجديد يومياً، ويتحول مضمونها الى مادة تنتشر في مواقع التواصل نقلاً عن مواقعها الالكترونية.
قد يكون وصف حال الصحف بأنها تموت سريرياً، هو التعبير الملطف لأزمة وجودية تعانيها في لبنان، لا ينقذها رفع سعر الصحيفة، ولا تدخل حكومي يمكن أن يخفف من وقع الأزمة. يموت القطاع ببطء، وتموت معه قطاعات صناعية مرتبطة به، مثل المطابع والتصميم والتوزيع. ولا ريب في الاعلان عن حقيقة راسخة تفيد بأن سعر الصحف المستعملة في سوق الورق، يتخطى سعر الجريدة نفسها.