بات من المحسوم أنّ مصرف لبنان في طريقه إلى اتخاذ إجراءات متتالية باتجاه رفع الدعم تدريجياً عن استيراد السلع الأساسيّة والغذائيّة. المحروقات والدواء والمستلزمات الطبيّة والقمح والسلّة الغذائيّة، التي كان يُموَّل استيرادها من دولارات مصرف لبنان، وفق سعر الصرف الرسمي القديم أو سعر صرف المنصّة، سيعتمد ثمنها على سعر الدولار النقدي في السوق السوداء، الذي يتخطّى اليوم 8 مرّات سعر الصرف الرسمي القديم، و3 مرّات سعر صرف المنصّة.
الأكيد حتّى اللحظة أنّ معاملات دعم استيراد الدواجن والمواشي والمستلزمات الطبيّة في مصرف لبنان توقّفت، فيما تشير المعلومات إلى قرار مماثل سيصدر خلال أيام قليلة ليشمل السلّة الغذائيّة التي كانت تُدعم وفق سعر المنصّة. بالنسبة إلى المحروقات، تصرّ خطة الحكومة على إبقاء دعمٍ تصل نسبته إلى 15% من كلفة استيراد هذه المواد، فيما لا يبدو أنّ مصرف لبنان مستعدّ لتمويل هذه النسبة من الدولارات المتبقّية لديه، والتي تمثّل احتياطات المصارف الإلزاميّة الموضوعة ضمانةً للمودعين لديه. وأمّا الدواء فمن المرتقب أن يُرفع الدعم، خلال فترة قصيرة جداً، عن استيراد جميع أصنافه، باستثناء تلك التي تخصّ الأمراض المزمنة، والتي قد يؤدّي انقطاعها إلى تهديد حياة المرضى. باختصار، المسافة قبل الوصول إلى مشهد رفع الدعم القاتم باتت تُقاس بالأيام القليلة، لا بالأسابيع أو الأشهر.
ستمثّل زيادة الطلب على الدولار بهذه القيمة في السوق السوداء، صدمةً قاسية ومفاجئة بالنسبة إلى سعر صرف الليرة اللبنانيّة، خصوصاً في ظل محدوديّة حجم السوق السوداء مقارنة بهذه القيمة. ولهذه الأسباب، يقدّر البعض اليوم أن تتسبّب هذه التطوّرات بارتفاع مفاجىء في سعر صرف الليرة اللبنانيّة، إلى مستويات قد تتجاوز 20 ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي خلال أسابيع قليلة فقط. وهكذا سيكون ارتفاع معدّلات التضخّم ناتجاً عن عاملين معاً: ارتفاع أسعار المواد المدعومة بعد رفع الدعم عنها، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة نتيجة الطلب على الدولار للاستيراد. أمّا الحصيلة فهي ضربة قاسية على المستوى المعيشي.
بالنسبة إلى أسعار المواد الأساسيّة، يُتَوقّع أن يتركّز جزء أساسي من الكارثة في الارتفاع المرتقب لهذه الأسعار. فصفيحة البنزين (أوكتان 95) لا يتجاوز سعرها اليوم حدود 39 ألف ليرة، نتيجة دعم مصرف لبنان لاستيرادها. ووفقاً لأسعار المحروقات العالميّة، من المرتقب أن يرتفع سعرها إلى مستويات تتجاوز 140 ألفاً، علماً أنّ هذه القيمة سترتفع ارتفاعاً إضافياً لاحقاً مع كل ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة. أمّا سعر صفيحة المازوت، فيُنتظَر أن ترتفع من 26.700 ليرة إلى مستوى يتجاوز 110 آلاف ليرة. مع الإشارة إلى أنّ كل هذه الأرقام تفترض إبقاء مصرف لبنان على دعم محدود يقدّر بـ15% من قيمة المواد المستوردة، أمّا في حال رفع الدعم كلّيّاً، فمن الطبيعي أن تتخطّى الأسعار هذه الأرقام.
لكل هذه الأسباب ستتّجه البلاد خلال مرحلة قصيرة جداً نحو وضع مأساوي جدّاً على المستوى المعيشي، في حين أنّ الحلول والبدائل مفقودة تماماً.