روسيا تحت حصار مالي خانق.. والروبل يهبط 63%

كانت العملة الروسية قبل بدء العمليات الأخيرة خسرت كثيراً منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014. اذ ارتفع الدولار من 33 روبلاً بداية 2014 الى نحو75 في 18 شباط الماضي، ثم الى 122 روبلاً في 5 آذار الجاري. فالخسارة في الأسبوعين الأخيرين فقط تبلغ 63%. وهبوط العملة انتج سريعا نسبة تضخم 9% مع توقع صعوها الى 15% قريبا وأكثر لاحقا. ومع الروبل الضعيف ستجد المؤسسة النقدية الروسية نفسها امام معضلة، لان البلاد تستورد معظم حاجاتها من الخارج سواء كانت استهلاكية او تجهيزات واصبحت الكلفة بالنسبة إليها اعلى بكثير. وبالتالي لن يتأخر التضخم ليتفاقم أكثر وينطلق بسرعة قياسية الى اعلى.

حاصرت العقوبات العملة من كل الجهات. والأكثر تأثيراً كانت الاجراءات العقابية التي اتخذتها الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الأوروبي بتجميد أصول وموجودات البنك المركزي خارج روسيا. هي تبلغ 630 مليار دولار منها 43% في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا. ونقلت «تشالنج» الفرنسية عن وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير «أن احتياطات العملة تذوب مثل الثلج تحت حرارة الشمس. كنز الحرب الذي اعتقد بوتين امكان استخدامه تعطل بشكل كبير». وبسبب نقص العملات بات البنك المركزي غير قادر كفاية عن الدفاع عن الروبل. ويذكر أن مخزون الذهب والموجودات باليوان الصيني والين الياباني غير مشمولة بالعقوبات. لكن بحسب بعض التقديرات فأن 60% من موجودات البنك المركزي اصبحت مجمدة.

ويذكر أن 470 مليار دولار من الثروات السيادية هي بالعملات الاجنبية سواء في ودائع او اسهم. وصحيح ان الموجود منها بالدولار قد انخفض خلال السنوات الماضية وارتفع المسعر بالين الياباني الى 17% وهي نسبة عالية جدا قياسا بما تحمله بنوك مركزية عالمية من ثروات بالعملة اليابانية ولا يتجاوز 2 الى 3%. وتحتفظ روسيا بذهب قيمته 130 مليار دولار. على أي حال، لن تستطيع موسكو بيع اصولها المقومة بالدولار واليورو لتشتري اسهما بالروبل للحفاظ على الثروة ودعم العملة ومنع انهيار المصارف.

إلى جانب تجميد أصول البنك المركزي، جمدت الدول الغربية أصول وأموال الأوليغارشية الروسية المقربة من بوتين وأصولاً تعود للصندوق السيادي الروسي ليبلغ الإجمالي المجمد نحو ألف مليار دولار (ترليون). وبدأت بعض العقوبات التي طالت الأوليغارشية تزعج كثيراً الاثرياء الروس الذين اعتادو نوعية الحياة الغربية، فمحاصرة هؤلاء قد تدفعهم ليكونوا اكثر انتقادا لبوتين، وربما ينقلبون عليه وفق توقعات غربية مبنية على تذمر متصاعد لهؤلاء من الأوضاع المستجدة.

وسببت مهاجمة الروبل هروباً كثيفاً لاستثمارات ورساميل. ولوحظت في ارجاء روسيا منذ بداية الحرب صفوف طويلة أمام البنوك وماكينات السحب الآلي للراغبين بسحب مدخراتهم، ما يدفع بمحللين الى توقع أزمة مصرفية واسعة النطاق اذا تفاقمت ظروف الحرب وطال أمدها. وتقدر السحوبات من الودائع في أسبوع بنحو 20% من الاجمالي.

ويعتقد مسؤولون غربيون أن أفضل طريقة ليخسر بوتين من شعبيته هي جعل التضخم يتفاقم وترتفع الفاتورة التي سيدفعها الكرملين. فالاجراءات العقابية يمكن ان تخفض الناتج الروسي 5% فوراً. واكثر من ذلك اذا ما قيست لاحقا تأثيرات منع بنوك روسية من نظام «سويفت» وتجميد أصول البنك المركزي.

بالنسبة للشركات الروسية فقد وجدت نفسها مقطوعة عن العملات الأجنبية، وبالتالي تتعثر معظم تداولاتها مع العالم بالدولار واليورو والجنيه الاسترليني. ومن عليه من تلك الشركات ديون بالعملات الاجنبية يستحق سدادها وجد نفسه في حالة تعثر. ولا ائتمان جديداً لأي استثمار بفعل شح العملات والعقوبات، وإلا فان الدفع كاش (نقداً).

النتيجة ان الهلع عام في الاسواق. والمستثمرون يتخلصون من أسهم شركات روسية مدرجة في البورصات الغربية والآسيوية ما يعني أنها في حالة إفلاس غير معلن. واذا كانت بورصة موسكو اقفلت التداول منذ الأول من الشهر، فان نحو عشرين شركة روسية مدرجة في لندن تحولت اسهمها الى خردة في أيام قليلة. والأكثر تضرراً هي الشركات النفطية والغازية الكبيرة مثل «غازبروم» و»لوك أويل» و»نوفاتك» التي فقدت أسهمها 98%، وهبطت أسهم أول بنك روسي (سبربنك) 99.8% وأفلست أفرعه الأوروبية وأقفلت أبوابها. فالعقوبات قطعت مصارف روسية عن الوصول الى اسواق الرساميل الأوروبية والأميركية.

داخلياً، منع البنك المركزي والهيئة الناظمة للاسواق المالية الاجانب من بيع الاسهم الروسية في قرار خطير نادر الحصول. واعلن الصندوق السيادي الروسي رغم ان بورصة موسكو مغلقة حتى اشعار آخر انه خصص 10 مليارات دولار لشراء الاسهم المحلية المتضررة من العقوبات. وتحاول روسيا مواجهة العقوبات، لذلك اعلن البنك المركزي الروسي رفع الفائدة من 10 الى 20%، الا ان ذلك سيخنق الاقتصاد أكثر. وبعد أن بدأ الروس بالتهافت عل سحب اموالهم من البنوك اعلنت السلطات منع تحويلات العملات الى الخارج، واجبرت المصدرين الروس على تحويل 80% من مداخيلهم بالعملات الاجنبية الى روبل. وكثف البنك المركزي الكابيتال كونترول وجمد مدخرات الاجانب المقيمين المستثمرة في الاسهم الروسية ومنع الروس من تحويل العملات الى الخارج.. كل ذلك للحفاظ على الدولار واليورو داخل البلاد. وتهدف الاستراتيجية الغربية ايضا الى اجراءات عقابية في قطاعات الصناعات الاستراتيجية والحساسة مثل الطيران والتكرير والالكترونيات والليزر واشباه الموصلات وكل منتجات لها استخدامات مزدوجة مدنية وعسكرية. وبالنسبة للغرب لن تعود روسيا شريكا كما في السابق.

مصدرنداء الوطن - منير يونس
المادة السابقةمصارف لبنان تفرض عمولات إستنسابية واعتباطية… باهظة جداً
المقالة القادمةقرارات إستثنائية تمنع تصدير الزيت وترشّد استخدام الطحين