حشيشة الكيف أو ما يعرف بـ”القنب الهندي” كلمة مشتقة من الكلمة العبرية “شيش” وهي تعني الفرح أو الكيف، وربما الشعور بالمزاج “السعيد” أثناء “تعاطيها” هو ما دفع الرومان إلى نقش هذه النبتة إلى جانب سنابل القمح على مدخل معبد باخوس في قلعة بعلبك، وقال أحد أبناء البلدة: “ربما كان الرومان في ذلك الوقت يكيّفون”.
قصة زراعة الحشيشة في بعلبك الهرمل قديمة وبعمر معاناة المنطقة وحرمانها منذ عقود، فهي بدأت منذ الأربعينات حيث أتى ببذورها أشخاص من زحلة من عائلات سكاف وطعمة وسيئلي وبدأ معهم إنتشارها في القرى والبلدات البقاعية كون الظروف المناخية وشح المياه يلائم النبتة، خصوصاً أن زراعتها تبدأ في شهري آذار ونيسان وقطافها في منتصف شهر أيلول. وتقدر المساحات المزروعة لهذا العام بين 70 و90 ألف دونم أي ما يقارب ثلث مساحة البقاع الصالحة للزراعة موزعة على بلدات اليمونة، بوداي،الهرمل، دار الواسعة، دير الأحمر، بشوات، أي المنطقة الجبلية من بلدة كفردان وصولاً إلى الحدود اللبنانية السورية لجهة الهرمل.
لم تجد الدولة منذ عقود حلاً لزراعة الحشيشة أو بديلاً منها، حيث تتعرض الزراعات البديلة كالقمح والبطاطا سنوياً للخسائر الفادحة نتيجة التقلبات المناخية، مما دفع المزارعين إلى التمسّك بزراعة تلك النبتة التي تعود عليهم بالربح الوفير والفائدة المادية العالية.
على نار هادئة ينضج الموسم لهذا العام أيضاً بعد سنوات غابت فيها الدولة والقوى الأمنية عن تلف الموسم قبل نضوجه، لتجنّب مواجهات دامية بين المزارعين والقوى الأمنية، حيث يدافع أصحاب المواسم عن زراعتهم بكل ما أوتوا من قوةٍ كمن يدافع عن أولاده، فهي بنظرهم مصدر العيش الوحيد في ظل التهميش الذي تعانيه المنطقة، كون كلفتها البسيطة مقارنةً بالزراعات الأخرى ومردودها العالي دفعا إلى اعتمادها، فكل ألف متر مربع “دونم” ينتج ما بين 500 و 750 كيلوغراماً من الحشيشة الخضراء، وتبلغ كلفته 500 دولار بين بذور وحراثة وري ثلاث مرات في السنة إضافة إلى كلفة القطاف، ويصل الثمن عند المبيع إلى 1500 دولار في حين أن ثمن استكمال الصناعة من تجفيف وغيره قد يصل إلى 5000 دولار للدونم.
وفي هذا الإطار يقول المزارع ع. ش. لـ “نداء الوطن” إن الحشيشة أنواع: الزهرة، الكَبشة، وأجوَدها الـ”هَبُو”، وزهرَة “الكُولش”، موضحاً أنّ عملية زراعة الحشيشة تبدأ من خلال زرع بذور “القنبز” في بداية شهر شباط، وفي أيلول يتمّ قطف العشبة وتجفيفها ثم تنظيفها، وفي الشتاء يبدأ الكبس في معامل خاصة إبتكرها المزارعون أنفسهم، وعندما تتحوّل إلى مادة تشبه الطين، وتسمّى كل قطعة منها “هُقَّة”، توضع في أكياس من الخام وتصبح جاهزة للبيع. ويضيف ع. ش. أن لجوء أهالي المنطقة إلى زراعة الحشيشة ناتج عن الإهمال المزمن الذي تعيشه المنطقة، فلا أوضاع إقتصادية وإنمائية تشجع الناس على العدول عن تلك الزراعة والبحث عن وسائل مشروعة للعيش، والزراعات البديلة لم تنجح في المنطقة، كذلك أعمال البناء وسوق العقارات متوقفة، ولم تجد الدولة والأحزاب حلّاً للركود الإقتصادي المستشري، فيما نواب المنطقة غائبون عن السمع. ويختم بأن المواجهات الدامية التي يتجنبها المزارعون مع القوى الأمنية ستحصل في حال قررت الجهات الرسمية تلف المحصول لأن موسم الحشيشة هو “الحيلة والفتيلة”.
بدوره يقول مصدر أمني لـ”نداء الوطن” إن الموسم هذا العام يمكن أن يمرّ بسلامٍ أيضاً، فالدولة لا تريد الدخول في مواجهات مع المزارعين، والمنطقة لا تحتاج خضات أمنية إضافية، خصوصا أن المواجهات مع المطلوبين كادت أن تتسبب بمجازر، فكيف الحال بتلف محصول الحشيشة الذي يعتبره المزارعون مورد الرزق الأساسي، كذلك الأعداد الكبيرة التي تحتاجها عملية التلف من عديد جيش وقوى أمن في ظل المهام الأمنية الموكلة إليهم.