لا يختلف اثنان ان التأمين بشكل عام من اهم القطاعات الحيوية في لبنان لا سيما العقود الصحية الشاملة، لكن هذا القطاع تدحرج كثيرا في الآونة الاخيرة وهناك بوالص لم تعد موجودة، مثل التأمين على الحياة. في حين تقلص الاقبال على بوالص التأمين الصحي والاستشفائي بمعدل لامس الـ 15% ووصل في الشهرين المنصرمين الى حدود الـ 20%.
وفي الإطار، قال الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ “الديار” “ان مستويات أقساط التأمين المدفوعة نقدا بالدولار قد بلغت 992 مليون دولار في العام 2023 بعد ان كانت 1870 مليون دولار في العام 2022 مشيرا الى ان البعض منها شيكات. اما بخصوص التأمين على الحياة فقد تراجعت النسبة من 250 مليون دولار الى 95″.
تصرفات “اعتباطية”!
بالموازاة، تختلف عالميا ممارسات شركات التأمين الصحي وفقا للقوانين الخاصة بكل بلد، اما في لبنان، فتعمل بموجب تشريعات محلية تحكم عملها وتحدد التغطية والتعويضات المقدمة. وتتنوع نشاطاتها وتغطي باقة مشكّلة من الخدمات الصحية، بما في ذلك الزيارات الطبية والتحاليل والعلاجات والجراحات. وتتفاوت شروط التغطية والتعويضات من شركة الى أخرى، لذلك يجب على العملاء قراءة الشروط بعناية والتحقق من الخدمات المشمولة والإجراءات المطلوبة للحصول على تعويضات.
على المقلب الاخر، هناك مؤسسات خاصة تعمل خلافا للقوانين والتشريعات المحلية، بحيث انها تقبض الرسوم بالدولار على سعر صرف السوق السوداء، بيد انها تحتسب فواتير المواطن المستحقة للمستشفيات والأدوية وحتى حوادث السير على سعر صرف اقل، كما تقوم بأفعال استغلالية اخرى، مثل رفض تغطية بعض الخدمات الضرورية أو تأخير الدفعات. وبالرغم من حق العملاء الاطلاع على حقوقهم ومراجعة السلطات المختصة في حالة وجود شكاوى أو مشكلات مع شركات التأمين، فان حيتان المال يتحكّمون بجبروت ينافس سلطة القضاء ولا يبالي هؤلاء بصحة المواطن”.
بوالص الدرجة الأولى اختفت ماذا عن الثانية والثالثة؟
وفي هذا المجال كشفت السيدة ر. ح. وهي مديرة في شركة تأمين لبنانية لـ “الديار” عن “أن هناك تهافتا مقبولا على بوالص التأمين من الدرجة الثانية والثالثة، وبمقارنة لمعدلات الإقبال على شراء هذه البوالص ما قبل ثورة 17 تشرين وبعد الازمة الاقتصادية القاسية التي يشهدها لبنان منذ نحو 4 سنوات، نجد ان الأرقام تدحرجت بشكل مخيف ولا تتجاوز الـ 15%”.
واشارت الى “ان مساهمة الضمان الاجتماعي لجهة تغطية التكاليف الصحية تكاد تكون شبه معدومة، لذلك يلجأ المواطن الى قطاع التأمين الخاص لكن الأخير لا يمكن أن يحلّ مكان المؤسسات الرسمية التي يجب عليها تأمين الطبابة لجميع اللبنانيين. إشارة الى ان هذا القطاع هو عبارة عن شركات ماليّة مؤلفة من مساهمين ومستثمرين وهؤلاء يبغون الربح لا تكبّد الخسائر النقدية لا سيما بعد خسارة ودائعهم في المصارف اللبنانية”.
الشركات فوق القانون!
من جانبه أوضح وسيط يعمل في شركة تأمين أخرى لـ “الديار” “ان نسبة الاقبال على بوالص التأمين الصحي والاستشفائي تتراوح بين الـ 15 و20%، وهناك شركات تحترم نفسها وتلتزم بتوفير خدمات صحية تتوافق مع البوليصة وتلبي احتياجات العملاء. ومع ذلك، قد تحدث زمرة اعمال تحايلية من قبل بعض الشركات، مثل عدم تغطية بعض الخدمات الضرورية بشكل كامل أو تطبيق سياسات صعبة للحصول على تعويض”.
كيف ينظّم هذا القطاع! يجيب الوسيط “في لبنان يرَتّب هذا المجال بموجب العديد من القوانين واللوائح، منها:
1.قانون الضمان الاجتماعي: ينص على حقوق وواجبات المؤمّن عليهم وشروط تسديد الاشتراكات والتعويضات.
2. قانون الأدوية والصيدلة: يحدد شروط شراء الأدوية والمنتجات الصحية.
3. قانون التأمين الصحي التكميلي: ينظم عمل الشركات وشروط التسجيل والتغطية.
4. التعليمات الإدارية الصادرة عن وزارة الصحة العامة: تعيّن اللوائح والتوجيهات التي يجب على شركات التأمين الصحي الالتزام بها.
5.التأمين على الحياة: يوفر حماية مالية للعائلة في حالة وفاة الشخص المؤمن عليه، حيث يتم صرف مبلغ متفق عليه للمستفيدين.
6. التأمين على السيارات: يغطي تكاليف إصلاح السيارة أو تعويض قيمتها في حالة الحوادث، إضافة إلى تغطية للأضرار الناتجة من كوارث أخرى.
7. التأمين على الأغراض الشخصية: يوفر حماية للممتلكات من المكاره، السرقة والكسر.
واكد “ان هذه البنود تطبق عموما على قطاع التأمين الخاص في لبنان، ويجب ان تتقيد هذه الشركات باللوائح المحلية المعمول بها وتشمل (الطبابة، حوادث السير، الممتلكات، والحياة)، لكن قد تختلف تفاصيل تنفيذ القوانين واللوائح من شركة الى أخرى طبقا لشروط البوليصة وسياسات الشركة، لذا يجب على العملاء الاطلاع على تفاصيل بيانات التأمين الخاصة بهم والتأكد من التغطية والإجراءات المطلوبة”.
كيانات قانونية “محتالة”!
وأشار الوسيط الى “ان بعض عقود التعاملات مع الزبائن والمرضى تُدفع بـ “الفريش” نظرا للظروف النقدية الصعبة الراهنة، حيث يعاني القطاع المصرفي من ازمة شرسة اثرت سلبا في كافة المجالات الحيوية لا سيما الاستشفائية. لذلك، يفضل قطاع التأمين الصحي الخاص منح الخدمات الصحية وتسديد التكاليف بالدولار لضمان الاستمرارية وتفادي مشكلات توفير النقد الأجنبي. لكن مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية تنتهج بعض الشركات سياسات تتعارض والتشريعات المحلية، مثل تقديم خدمات بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف الرسمي أو بسعر تفاوضي”.
وأردف “لقد تفاقم الخداع “المؤسساتي” في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد. وفي هذا السياق، تشير التقارير إلى تنامي في حالات الاحتيال المالي في هذا القطاع. ومن هنا على الحكومة والسلطات المعنية اتخاذ إجراءات حازمة لمكافحة النصْب، وبالتالي تشديد الرقابة لحماية المواطن من شجع بعض الهيئات”.
واكد “ان المكر وارد، حيث تستوفي شركات التأمين الرسوم المطلوبة من المريض، لكن تقوم بالمراوغة عند سداد فواتيره الطبية، على الرغم من أن بوليصة التأمين يجب أن تغطي تكاليف العلاج بنسبة 100%؛ الا ان الشركات تحاول تقليل التكاليف عن طريق عدم دفع المبلغ الكامل للمرفق الطبي”.
وختم “على الرغم من الخسائر النقدية التي تكبدها هذا القطاع بسبب ودائعه التي لا تزال محجوزة في المصارف اللبنانية، لكن لا شك ان شركات التأمين تطورت بمرور الزمن لتتضمن خدمات متنوعة وتكنولوجيا متطورة تسهل عمليات الإدارة والتسويق، وباتت تشكل بديلاً عن الضمان الرسمي لأنها توفر مزايا إضافية مثل التغطية الشاملة لمختلف المخاطر؛ ومرونة في اختيار التغطية وفقاً لاحتياجات كل شخص أو مؤسسة، بالإضافة إلى سلاسة التعامل والدفعات المرنة، في مقابل ذلك ازدهرت كيانات ربحية “وضيعة”. لذلك على المواطن اختيار تلك الموثوق بها والا يلحق الدعايات والاعلانات الرنانة التي تسرق ماله وفي أيام الشدّة تختفي”.