هل ستكون تداعيات زيادات الرواتب التي أقرّها مجلس الوزراء لموظفي القطاع العام، على غرار مفاعيل سلسلة الرتب والرواتب التي اقرّت في العام 2017 واتهمت بأنها فاقمت عجز الموازنة والدين العام؟ هل ستتبلور تلك الزيادات لتكون سبباً في تضخم اضافي؟ وكيف سيكون تأثير ضخ كتلة نقدية اضافية في السوق بعد التجفيف الذي قام به مصرف لبنان، على سعر الصرف المثبّت؟
تراوح تقديرات كلفة الزيادات او التعويضات بين 1.4 و1.8 مليار دولار اي قد تزيد على 50% من حجم الموازنة.
ووفقاً لمصادر مطّلعة، فان مصرف لبنان كان قد اعطى الحكومة حدّاً اقصى للزيادات عند حوالى 2 تريليون ليرة شهرياً، ليعود ويرفع هذا السقف بعدما تبيّن للحكومة ان الزيادات المقترحة ستبلغ ضعف هذا المبلغ، ليشدد على عدم تخطيها الـ 3 تريليونات ليرة.
التجارب السابقة
وفيما اشارت المصادر لـ»نداء الوطن»، الى ان التجارب السابقة في لبنان تؤكد عدم صوابية تقديرات كلفة الزيادات، لفتت الى ان مصرف لبنان يعتبر تلك الزيادات «تحت السيطرة»، علماً انه سيدد تلك الزيادات من الدولارات التي يشتريها من السوق، على أمل ان تؤدي عودة العمل في ادارات الدولة، ابرزها الدوائر العقارية، الى تحصيل ايرادات اضافية لتمويل كلفة الرواتب والاجور مع الزيادات التي طرأت عليها.
واوضحت ان زيادة الطلب على الدولار في السوق التي ستولّدها زيادة الرواتب ستؤثر حتماً على سعر الصرف وذلك وفقاً لمفهوم العرض والطلب، «إلا ان مصرف لبنان يعتبر ان تلك الكميّة الاضافية التي سيؤمنها من السوق لا تزال محدودة حيث تتراوح بين 85 و120 مليون دولار شهرياً ويمكن تأمينها من دون التأثير على استقرار سعر الصرف.
وليد ابوسليمان: هي أقرب إلى خطيئة سلسلة 2017
في هذا الاطار، اعتبر الخبير المالي وليد أبو سليمان ان حكومة نجيب ميقاتي تعيد وتكرر خطيئة سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت في 2017، عبر اقرارها اليوم تعويضات قد تشكل برنامجاً تضخمياً بامتياز من خلال تلك «الزيادات المدسوسة»، معتبراً ان هذه الخطوة هي بمثابة ضريبة مقنّعة ومزيد من تآكل القدرة الشرائية.
عدم دقة الموازنة
وشرح لـ»نداء الوطن» أن إقرار تلك الزيادات بمفعول رجعي أيضاً، يؤكد عدم دقّة ارقام الموازنة التي تم اقرارها والتي لم تتضمن هذا الإنفاق الجاري الاضافي الذي تم اقراره، وبالتالي «كيف يصرّحون ان عجز الموازنة صفر؟».
وسأل أبو سليمان: وفقا لاي دراسة تم اقرار تلك الزيادات؟ ولماذا لم تتواكب مع اعادة هيكلة القطاع العام؟ ما هي قيمة واردات الخزينة بالدولار والتي على اساسها تم تمويل كلفة الزيادات؟ هل هناك واردات بالدولار غير ايرادات المرفأ وهل يمكن التعويل على ايرادات الادارات الاخرى في ظلّ توقف عمل معظمها كالدوائر العقارية او نظام وزارة المالية المتوقف لتسديد ضريبة الدخل بالدولار على سبيل المثال؟
شراء المزيد من الدولارات
من جهة اخرى، اوضح ان تسديد رواتب وأجور القطاع العام بالدولار كما هي الحال سيضطر مصرف لبنان لشراء الدولارات من السوق لتأمينها، وبالتالي ضخ كتلة نقدية اضافية بالليرة بعد تجفيفها الى حدود الى 50 تريليون ليرة وتثبيت سعر الصرف، مما سيزيد الطلب على الدولار وسيرفع نسبة التضخم لتتآكل معها القدرة الشرائية وينتفي هدف الزيادات على رواتب القطاع العام. كما ان الضرر سيلحق بالقطاع الخاص حيث سيكون التضخم بمثابة ضريبة مقنّعة مفروضة عليه.
كما أكد أبو سليمان انه على غرار سلسلة الرتب والرواتب التي أُقرّت في 2017، ستكون تقديرات كلفة الزيادات المقرّة حديثاً اعلى بكثير من التوقعات، «وسندخل مجدداً في دوامة عجز الموازنة، خصوصاً ان ارقام النفقات في لبنان معروفة وثابتة، إلا ان ارقام الايرادات غير دقيقة وتتأثر بحدّة الانكماش الاقتصادي او اي تطورات تعيق جباية الايرادات كما يحصل اليوم.
موظفو الإدارة العامة: 6 إيضاحات
وأوضح تجمع موظفي الإدارة العامة ان هناك خلطاً بين حجم الرواتب وملحقاتها الملحوظة في الموازنة العامة وبين حجم رواتب القطاع العام ككل بما فيها المؤسسات العامة ذات الاستقلال المالي والموازنات الخاصة، وهذا الخلط أدى الى الخطأ في تحديد نسبة حجم الرواتب من الموازنة العامة حتى زعم البعض أنها تتجاوز الـ 50%. واضاف البيان ما يلي:
– إن معرفة حجم الرواتب وملحقاتها متيسّر لكل مطلع على موازنة العام 2024،(مخصصات الرواتب + المعاشات التقاعدية + احتياطي العطاءات).
– بحسب كلام وزير المال يوسف خليل إن حجم الرواتب الشهرية للقطاع العام ككل بعد الزيادات يصل الى 10700 مليار شهرياً، بما فيها رواتب المؤسسات العامة والبلديات.
– إن رواتب المؤسسات العامة والبلديات لا تدخل ضمن الموازنة العامة إذ لكل منها موازنتها الخاصة، وبالتالي لا بد من حسمها عند احتساب نسبة رواتب القطاع العام من ايرادات الموازنة. وعلى أكبر تقدير فإن رواتب موظفي القطاع العام التابعين للموازنة العامة لا تتجاوز الـ 9000 مليار شهرياً. اي لا تتجاوز النسبة 35% من ايرادات الموازنة.
– أن اكثر من 75% من ايرادات الدولة تحصلها الادارة العامة (اي ما يتجاوز الـ 225,000 ملياراً سنوياً). والتحريض الدائم على الموظفين يؤثر سلباً على كراماتهم وحكماً على انتاجيتهم، ولا بد ان يشعر الموظف بحد أدنى من الاحترام حتى يؤدي دوره على أكمل وجه، مع العلم، بأن تعطيل الإدارة العامة يؤدي حكماً الى تعطيل القطاع الخاص، اذ ان الادارة العامة ليست فقط لجباية الإيرادات بل لتقديم الخدمات.
– بحسب آخر التقديرات، فإن حجم ايرادات الدولة وصل الى أكثر من 23000 مليار ليرة شهرياً. لذا، فإمكان التمويل متوافر بشكل واضح دون أي عقبات.
– ان الحد الادنى لرواتب الموظفين بعد المرسوم الصادر بلغت 27 مليون ليرة (اي ما يعادل 300 دولار). اما ما يحكى عن مكافأة المثابرة فلم تصدر بعد، وقد يصل الحد الادنى معها (ان صدرت) الى 400 دولار. مع التذكير بأن كل هذه الزيادات، هي عبارة عن حوافز لا تدخل في صلب الراتب.