توافقت قيادة الجيش والحكومة على الزيادات للعسكريين في الخدمة فحُلّت الأزمة، وفُتحت الطريق أمام انعقاد جلسة لحكومة تصريف الأعمال اليوم. لم يتّضح بعد إذا ما كان إقرار مرسوم الزيادات المتوافق عليه سيعيد موظفي الإدارة العامة إلى مكاتبهم. فعلى نار ما رُوّج من زيادات متفاوتة بين فئات القطاع العام، انقسمت المواقف بين رافضين وصامتين وموافقين. الموظفون الإداريون رفضوا الاتفاق، الأساتذة والقضاة في صمت مريب لم يخرقه سوى بيان لرابطة التعليم الثانوي أمس حذّرت فيه من اتخاذ خطوات تصعيدية في حال عدم قبض الرواتب آخر الشهر الجاري. أما المتقاعدون من العسكريين فانعكس اتفاق قيادتهم مع الحكومة في بياناتهم التي دعت إلى تجمّعات أمام السراي من دون قطع للطرقات. عملياً، الحكومة تتمسّك بالتقشف القاسي الذي يجري التنسيق بشأنه بين السياسات المالية التي تتحكّم بها الحكومة، والسياسات النقدية التي يديرها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري.
وبحسب المعطيات التي حصلت عليها «الأخبار» من اجتماع المديرين العامين الذي عُقد أول من أمس في مجلس الخدمة المدنية، فإن الاتفاق يقضي بتعديل أساس راتب العسكريين في الخدمة وزيادة التقديمات لكلّ أفراد القوى الأمنية؛ سيصبح راتب العسكري 257 دولاراً، والرتيب 277 دولاراً، وصولاً إلى 690 دولاراً للضباط العامين من رتبة عقيد وما فوق. ويحصل العسكريون في الخدمة على بدل نقل بقيمة 8 ملايين ليرة شهرياً. ووافق المتقاعدون العسكريون على زيادة مقدارها 3 معاشات لرتبة مؤهّل وما فوق، و4 للرتب الأقل على أن لا يتدنى المعاش عن 8 ملايين ليرة للمتقاعدين العسكريين حصراً. أما موظفو الإدارة العامة، فقد فازوا بإغراءات تشمل القطاع العام ولكنها تصيبهم مباشرة، ومنها «سلسلة رتب ورواتب جديدة»، إذ تعهّد مجلس الخدمة المدنية بـ«تقديم تصوّر للحكومة عن تعديل كامل للرواتب والمعاشات قبل حزيران المقبل».
عملياً، نفّذت الحكومة الكلام الذي كرّره في الأيام الماضية مستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس، عن أن المبالغ المخصّصة للزيادة محدّدة مسبقاً في قانون موازنة 2024 وبالتالي ستتم إعادة توزيعها فقط بين فئات العاملين في القطاع العام. كما أنها تتطابق مع موقف حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي حدّد سقفاً شهرياً للإنفاق على زيادات الرواتب يصل إلى 2000 مليار ليرة. وبهذه الخلفية، حُسم راتب واحد من الموظفين في الخدمة، وأضيف إلى معاشات المتقاعدين. ومن المقرّر زيادة راتبين إضافيين على الرواتب السبعة للموظفين في الخدمة، ليصبح مجموع ما يتقاضاه الموظف 9 رواتب. ولم تستثنِ الحكومة الأساتذة والقضاة من هذه الزيادة، بل من الحوافز الشهرية المحتسبة على أساس ثمن عدد من صفائح البنزين تُدفع بشكل شهري التي ستُعطى حصراً لموظفي الإدارة العامة. وفقاً لمنطق الحكومة يتقاضى القضاة والأساتذة حوافز شهرية بالعملة الأجنبية إلى جانب راتبهم. ولكنّ التخفيضات الحكومية طاولت أيضاً عدد صفائح البنزين، إذ خُفّض بمقدار 4 صفائح لكل فئة من الموظفين ليصبح على الشكل الآتي: 8 صفائح لموظفي الفئة الخامسة، 10 للفئة الرابعة، 12 للفئة الثالثة، 14 للفئة الثانية و16 للفئة الأولى. وربط المشروع الحكومي حصول الموظف على ثمن الصفائح بحضوره عشرين يوماً في الشهر.
بالنتيجة، ليست هناك معطيات واقعية تشير إلى حلحلة قريبة. يقول ممثل وزارة المالية في تجمع موظفي القطاع العام حسن وهبي: «اتفقوا مع العسكر ولم يتفقوا معنا». لذا «ليست هناك رغبة في فكّ الإضراب بناءً على ما تعرضه الحكومة. حتى الوعد بسلسلة جديدة ليس مغرياً، فالأسئلة حولها كثيرة، هل هي إعادة استنساخ للقديمة بأرقام معدّلة، أم ستوضع بناءً على دراسة شاملة لكلّ الموظفين بمختلف فئاتهم؟». من جهته استهجن النقابي محمد قاسم موافقة أيّ من فئات الموظفين أو المتقاعدين على الأرقام المطروحة من الحكومة، رافضاً الذريعة الحكومية بتصحيح الأجور في حزيران القادم. ورأى قاسم أنّ «ما تعرضه الحكومة بمثابة شتاء وصيف تحت سقف واحد، وتمييز بين العاملين في القطاع العام، وأيّ رقم تقرّه الحكومة اليوم هو بمثابة تعويض عن غلاء المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية للرواتب، وبالتالي يجب أن تكون الزيادات متوازية للجميع لأنّ الغلاء شامل».