… وأخيراً بدأت المصارف أمس الإلتزام ولو “رغماً عنها” بتعاميم مصرف لبنان الصادرة بالنسبة للحسابات بالعملات الأجنبية. وبدأت غالبية البنوك اعتماد التعميمين الأول رقم 148 المعروف بتعميم الـ 3000 دولار لصغار المودعين، والثاني رقم 151 تعميم السحب من حساب الدولار باللبناني على أساس سعر الـ 3000 ليرة.
لكن مفارقتين برزتا في التطبيق: أولاً إن المصارف لم تلتزم بتسعيرة سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية التي حدّدتها المنصّة الإلكترونية أمس والتي بلغت 3200 ليرة، بل جرت السحوبات على أساس سعر الـ 3000 ليرة. علماً أن المنصّة الإلكترونية تغيّر التسعيرة يومياً.
ثانياً، إن التفاوت والإستنسابية في الإلتزام بالتعاميم من قبل المصارف وفي تحديد سقوف السحوبات، بدت جليّة أمس فأدخلت الناس في متاهات لفكّ لغزها. اذ إن المودعين الذين يتوقون الى السحب من وديعة الدولار التي افتقدوها منذ شهرين بسبب التعبئة العامة جراء كورونا، سارعوا الى المصارف لإجراء هذا “الإختبار” الجديد باعتباره أفضل الممكن في الوقت الراهن.
غير أنّ سياسة الإذلال تواصلت من قبل بعض المصارف الذي اعتمد أسلوب استقبال المودعين “ع الموعد” لإتمام عملية السحب على أساس تعميم الـ 3000 ليرة، ومصارف أخرى برمجت السحب من خلال أجهزة الصرّاف الآلي، بينما كلّ من المصارف طبّق تعاميم “المركزي” على هواه، فمنها من حددّ لشريحة الودائع التي تقلّ عن 10 آلاف دولار شرط السحب على أساس 400 دولار شهرياً وفق تسعيرة الـ 3000 ليرة وما يفوق عن ذلك يتم سحبه على أساس سعر الـ 1500 ليرة، وأخرى حددت السقف بـ500 و600 دولار… وصولاً إلى تمكّن بعض المحظوظين من الاستفادة من سقوف أعلى في بعض المصارف وصلت إلى مستوى الألفي دولار وفق التسعيرة الجديدة.
وحول آلية تحديد سعر الصرف من قبل المنصّة الإلكترونية التي تصدر يومياً بخصوص قيمة احتساب السحوبات المصرفية بالليرة اللبنانية للودائع بالدولار، أوضح مصدر مطلع لـ”نداء الوطن” “أن المنصّة تبلّغ يومياً التسعيرة الى المصارف، على أن تعلن عنها لاحقاً تماماً كما يتم سعر الصرف اليومي للدولار في الأسواق، وذلك بعيد بدء العمل الفعلي لها”.
طبعاً تسعيرة المنصة لن تقلّ عن سعر الـ 3000 ليرة، يوضح المصدر “وهو الحدّ الأدنى الذي يمكن التداول به لسعر الدولار، بل على العكس فإنّ تلك التسعيرة من المفترض أن تتجه نحو مزيد من الإرتفاع طالما أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء يتجه صوب الزيادة أكثر فأكثر، رغم محاولات الضبط التي تتمّ من قبل الأجهزة الأمنية للصرافين المخالفين لتسعيرة تعميم “المركزي” الذي حدّد سعر التداول عند 3200 ليرة”.
اليوم طوى اللبنانيون نهائياً صفحة سحوبات “الدولار الكاش المقنّن” وتحوّلوا الى مرحلة تقنين سحوبات الدولار بالليرة اللبنانية. مرحلة تحرير تدريجية لسعر صرف الليرة في خطوة استيعابية للواقع المأزوم في الأسواق حيث يحاول المواطن “الجوعان” أن يكافح للعيش من “قلّة الموت” وقلّة السيولة، في حين تواصل العملة الوطنية انهيارها يومياً وتكاد قيمتها تصبح معدومة تحت قبضة التضخّم وغليان الأسعار.