منذ كانون الاول 2023، تاريخ انتهاء صلاحية التعميم 151 يعيش المودعون لدى المصارف اللبنانية في حالة ضياع، سواء الذين كانوا ينتظرون سحب 24 مليون ليرة شهرياً (سقف التعميم 151) لتأمين قوت عيشهم، أو أولئك الذين ارتضوا ببيع وديعتهم للمصارف على سعر 15 ألف ليرة للدولار بالتنسيق مع مصرف لبنان، علما ان ذلك كان يفيد كلّاً من المصارف والمركزي لتقليص حجم الفجوة المالية (على حساب المودع).
رسمياً انتهى مفعول هذا التعميم من دون أن تعمد الحكومة أو وزارة المالية أو مصرف لبنان، أو حتى مجلس النواب الى تحديد سعر جديد للدولار المصرفي، بعد اعتماد مصرف لبنان سعر 89.500 كسعر صرف رسمي للعديد من الخدمات والرسوم والميزانيات المصرفة، واعتبر المركزي أن هذه المهمة هي من اختصاص وزارة المالية بحسب قانون النقد والسليف. علماً أنه منذ نهاية العام 2023 يجري التداول في أكثر من صيغة، لكنها لم تتحوّل الى الآن الى واقع، بل الأمر متروك لمزاجية المصارف وقدرتها على تأمين السيولة اللازمة بالليرة اللبنانية من جهة، وللمركزي ووزارة المالية لحسم موقفهما من سعر الدولار المصرفي وبالتالي انهاء ملفات المودعين الذين باعوا ودائعهم على سعر 15 ألف ليرة.
قزح: الجهات المعنية تتقاذف كرة النار
تجدر الاشارة الى أن التعميم 151 وضع في 19 نيسان 2023 من قبل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وانتهى تجديده في 31 كانون الأول 2023 ما سبب الطلاق على هذا الصعيد بين منصوري من جهة، وبين وزير المال يوسف خليل والحكومة برئاسة نجيب ميقاتي من جهة ثانية، وبالتالي الضرر الذي يلحق بالمودعين مضاعف، بحسب الخبير المالي ميشال قزح الذي يوضح لـ»نداء الوطن» أن «هذا الموضوع لا حل له في لبنان، وجميع الاطراف المعنية تحاول تقاذف كرة النار، سواء حاكم مصرف لبنان او وزارة المالية لأنهما لا يملكان القدرة على رد أموال المودعين»، لافتاً الى أن «توحيد سعر الصرف واتخاذ القرار بأن سعر «اللولار» 89.500 ليرة سيؤدي الى تضخم الكتلة النقدية، كما ان مصرف لبنان لا يملك الدولارات الكافية لتغطية هذه السحوبات، لذلك يتهرب جميع المعنيين من اتخاذ القرار المناسب».
يرى قزح أن «الحل لهذا الأمر هو بالقيام بهيركات على الودائع 50 بالمئة على الاقل، ليتم البحث بعدها في كيفية تقسيط المبالغ المتبقية».
ويختم: «برأيي، كل من مصرف لبنان ووزارة المالية لا يملكان القدرة للوصول الى هذا الحل، لأن هناك تجاذبات سياسية وهناك أطراف ستعلن أنها مع قدسية الودائع وغيرها من الشعارات الشعبوية، ولذلك يحاولون ايجاد مخرج لهذا الملف من خلال صندوق النقد».
غبريل: المودع والمصارف في حالة عدم يقين
من جهته يصف رئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس والخبير الاقتصادي نسيب غبريل أن «عدم تحديد سعر صرف الدولار المصرفي بأنه معضلة»، موضحاً لـ»نداء الوطن» أنه «كان من المفروض أن يتم حلها في أواخر العام الماضي وهذا الامر لم يحصل، علماً أن مصرف لبنان أوقف العمل بالتعميم 151 والذي كان يسمح بالسحب على سعر 15 ألف ليرة على أساس تحديد سعر بديل»، ويشير الى أن «المركزي يقول أنه أتمّ واجباته حين وحّد أسعار الصرف في مجالات أخرى، وهذا الامر هو من مهمة الحكومة ووزارة المال. وهناك مادة في قانون النقد والتسليف رقم 229 تنص على ان تحديد سعر الصرف القانوني وليس الرسمي هو من مسؤولية وزارة المالية بالتشاور مع مصرف لبنان، ولكن هذا البند في القانون عمره 60 عاماً».
يضيف: «وزارة المالية أصدرت بياناً صحافياً من عدة أسابيع، تفسر فيه لماذا لم تتخذ القرار بتحديد سعر الصرف الى الآن، وتعتبر أن هذا الأمر يحتاج الى معطيات مناسبة ولم تحدد تاريخاً لظهور هذه المعطيات. ولذلك الوضع اليوم لا يزال عالقاً والظاهر ان ليس هناك اتفاق بين الطرفين اي «المركزي» ووزارة المالية على هذا الموضوع، وهناك جهات تقول ان مجلس النواب هو من عليه اصدار قانون لتحديد سعر الصرف أو يعدل قانون النقد والتسليف».
يجزم غبريل بأن «هناك ضبابية في هذا الامر مما يضع المودع والمصارف في حالة عدم يقين، لأن هناك مصارف مستمرة بتطبيق التعميم 151 في حال امتلاكها السيولة، وهذا الامر يتوقف على تأمين الليرة اللبنانية، لأنه منذ بداية العام لم يصدر أي قرار او تعميم بديل لا عن مصرف لبنان ولا عن الحكومة»، مشيراً الى أن «هناك اجتهاداً شخصياً من المصارف وبحسب قدرتها على تأمين الاموال للزبائن. لأن سياسة مصرف لبنان منذ 2023 هي تجفيف السوق من الليرة اللبنانية، كوسيلة لضبط سعر الدولار في السوق السوداء ومنع المضاربات. وقد نجح في هذا الامر وسحب 23 تريليون ليرة في 2023، وصار من الأسهل تأمين الدولارات على تأمين الليرة بمبالغ كبيرة، هذا الامر مستمر خوفاً من المضاربة والتقلب في سعر الصرف».
ويؤكد أن «الخاسر الاكبر هو المودع لأنه حالياً يصرف من مدخراته الخاصة اذا وجدت، وهناك سقف للسحوبات والفوائد التي تتقاضاها المصارف لاقراض مصارف أخرى بالليرة اللبنانية، تتخطى 150 بالمئة على 24 ساعة وهذا أمر لا يصدق»، جازماً بأن «هناك شحّاً بالسيولة، وهذا يعني أن هناك كلفة على المصرف والمودع، والمصارف في حالة انتظار لتأمين السيولة اللازمة وتحديد سعر الصرف». ويختم: «حين يتم ذلك، فمصرف لبنان سيعمد الى وضع سقف معين للسحوبات، لأنه لا يريد ضخ سيولة اضافية في السوق تؤدي الى طلب على الدولار، وزعزعة سعر الصرف في ظل الاوضاع الامنية التي نعيش فيها في الجنوب».