سعر صرف الدولار مستقر… إلى حين!

مع بدء انقضاء موسم الصيف السياحي، قد تبدأ مظاهر الازمة تطغى مجدداً على صورة «ولعان السهر بلبنان» التي كرّسها الازدحام في المطاعم والفنادق والحفلات….

فينتقل المشهد من «ولعان السهر بلبنان» الى «ولعان الشارع بلبنان»، ويختلط فجأة عامل الخطر الامني بعد حادثتي الكحّالة والاغتيال في الجنوب، بتحذيرات السفارات رعاياها من السفر الى لبنان والطلب منهم مغادرته، بالاضافة الى الملفات المالية التي بدأت تُفتح تدريجياً مع فرض الخزانة الاميركية عقوبات على رياض سلامة وصدور تقرير التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وصولاً الى مأزق الحاكمية فيه وقرار نواب الحاكم وقف صيرفة وعدم صرف دولار واحد لتمويل عجز الدولة الا بشروط شبه تعجيزية.

جميعها عوامل سلبية سيختتم موسم الصيف الصاخب بها نشاطاته، ليبدأ العدّ العكسي إما للستاتيكو او للانفجار.

في غضون ذلك، هناك ترقب لمسار سعر الصرف الذي ما زال لغاية اليوم محافظاً على استقراره رغم العوامل النفسية والسياسية السلبية الطاغية، التي طالما نجحت في السابق في زعزعته وتقلبه بمعدلات قياسية على مدار الساعة.

لكن الى متى يمكن الحفاظ على هذا الاستقرار النقدي؟ وما هي الاسباب او العوامل التي قد تؤثر عليه وتدفع الدولار مجدداً لركوب موجة صعوده المعتادة؟

عوامل التدهور الإضافي

في هذا الاطار، لخّص كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي د. غربيس إيراديان العوامل التي قد تؤدي إلى مزيد من التدهور في سعر صرف الليرة بالتالي:

1- استمرار العجز المالي الكبير وتمويله بطباعة المزيد من الليرات اللبنانية من قبل مصرف لبنان.

2- شلل سياسي مطوّل وتدهور في الوضع الأمني، مما يقلّص عائدات النقد الأجنبي المحتملة من صادرات السلع والسياحة والتحويلات المالية.

3- عدم تنفيذ الإصلاحات العاجلة أو الإجراءات المسبقة لصندوق النقد الدولي.

إلى 120 ألف ليرة للدولار

واكد ايراديان لـ»نداء الوطن» انه يمكن لمثل هذه العوامل أن ترفع سعر الصرف الموازي من حوالى 89000 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي إلى ما يزيد عن 120 ألف ليرة لبنانية بحلول نهاية هذا العام.

واوضح أنه بهدف تحقيق التوازن المالي في الميزانية أو تجنب أي عجز مالي وبالتالي تجنب طبع المزيد من العملة، تحتاج وزارة المالية إلى تطبيق القانون والحدّ من التهرب الضريبي. بالإضافة إلى ذلك، اكد ان اعتماد سعر الصرف الموحد (المعادل من سعر السوق السوداء) للرسوم الضريبية، من شأنه أن يعزز الإيرادات الحكومية بشكل كبير ويمكّن من تمويل إنفاق أعلى دون تكبّد أي عجز. مؤيداً اقتراح تنفيذ معيار الإبلاغ المشترك (CRS) لزيادة الإيرادات المالية والذي يهدف الى مكافحة التهرب الضريبي المزدهر للغاية في لبنان.

الكتلة النقدية قليلة الآن

من جهته، شرح المستشار المالي ميشال قزح انه قبل انتهاء ولاية رياض سلامة، كان حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق يبلغ حوالى 100 تريليون ليرة وقد تقلّص نتيجة سياسة سحب الليرة من السوق التي اعتمدها سلامة قبل شهرين من تسليم مهامه لمنصوري، الى 62 تريليون ليرة بهدف الحفاظ على الاستقرار النقدي.

وبالتالي رأى قزح ان زيادة الكتلة النقدية المتداولة في السوق مجدداً الى مستوياتها ما قبل خروج سلامة من البنك المركزي، تحتاج الى حوالى الشهرين نتيجة تسديد رواتب واجور القطاع العام بالليرة، «اي لغاية اواخر تشرين الاول، من المتوقع حتى ذلك التاريخ أن لا نشهد تقلبات كبيرة بسعر الصرف».

الخضات الأمنية

واوضح لـ»نداء الوطن» انه عندما تعاود الكتلة النقدية ارتفاعها الى ما يعادل حوالى مليار دولار، او 90 تريليون ليرة، سيبدأ الضغط مجدداً على سعر الصرف، لافتاً الى ان الخضات الامنية الاخيرة ستساهم بلا أدنى شكّ، في تراجع الطلب على الليرة وفي تراجع التحويلات المالية من الخارج وفي تقلّص حجم الانفاق السياحي او الاستثماري، مما يؤدي الى حالة جمود اقتصادي تنعكس سلباً وتلقائياً على سعر الصرف. واعتبر انه غالباً ما تلي مرحلة التطورات الامنية، مرحلة « الهبوط الحرّ» chutte libre حيث يتراجع تدفق الدولارات ويتأثر الموسم السياحي بشدّة، «وإذا كان حجم التدفقات المالية يبلغ مليار دولار شهرياً، سيهبط الى نحو 200 مليون دولار»، لافتاً الى ان حجم الطلب على الدولار في السوق اللبناني يبلغ ما بين 20 الى 30 مليون دولار يومياً.

إيرادات بالدولار لسياسيين؟

ولفت قزح الى ان سلامة، وقبل انتهاء ولايته، أنفق حوالى 600 مليون دولار من الاحتياطي لشراء كميات كبيرة من الليرة وتقليص حجم الكتلة النقدية بالليرة المتداولة في السوق لتصل الى 62 تريليون ليرة. كما ان الدولارات المجمعة نتيجة الموسم السياحي المزدهر ونتيجة تفعيل جباية الدولة للرسوم والضرائب، قد تخدم لفترة شهرين تقريباً وحسب قيمة التزامات الدولة بالدولار. مشيراً الى وجود موارد للخزينة بالدولار عبر ايرادات طيران الشرق الاوسط وكازينو لبنان منها منصة betarabia الجديدة التي تدرّ ايرادات للخزينة ما بين 20 و25 مليون دولار نقداً رغم شبهات الفساد التي تحوم حولها، والتي يزعم بان ايراداتها تعود لصالح السياسيين وليس لخزينة الدولة.

رواتب القطاع العام

وفيما اكد ان رواتب القطاع العام متوفرة بالليرة وانه يوجد في حساب الدولة لدى مصرف لبنان حوالى 100 تريليون ليرة يمكن ان تخدم لمدّة 5 اشهر في حال لم تتم جباية ايرادات اضافية، «إلا ان مصرف لبنان قد يصل الى مرحلة يضطر فيها لطباعة العملة لاحقاً نظرا لتفاقم حدّة الازمة وعجز الدولة عن تسديد الرواتب، مما سيؤدي الى زيادة حجم الكتلة النقدية مجدداً والى ارتفاع سعر صرف الدولار». مرجحاً ان يلجأ نواب الحاكم للتهديد بالاستقالة في حال تم الضغط عليهم لاستخدام اموال الاحتياطي وضخ الدولارات في السوق من دون تشريع قانوني.

اما بالنسبة لسعر الصرف العلمي الاقصى الذي يمكن ان يبلغه الدولار نظراً لحجم الكتلة النقدية بالليرة، فشرح قزح انه يمكن السيطرة اليوم على الحجم الحالي للكتلة النقدية لان القطاع العام ليس بحاجة لطبع العملة لتمويله بسبب تفعيل جباية ايرادات الخزينة، وبالتالي عندما تعجز الدولة عن الجباية، ستصبح هناك حاجة لطبع العملة من اجل تسديد رواتب القطاع العام. اي انه باختصار في حال بقي حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق عند حدود أقلّ من 100 تريليون ليرة، فان سعر الصرف يمكن ان يحافظ على استقراره.

الخطة المطلوبة لوقف النزيف

في سياق متصل، وبالنسبة للتغييرات الأخيرة في مصرف لبنان وخطة الإصلاح التي أعلن عنها نواب الحاكم، اعتبر ايراديان انه «لأول مرة منذ 30 عاماً، تدرك القيادة الجديدة في مصرف لبنان خطورة الوضع الاقتصادي»، مرجحاً أن يتم التوافق على تنفيذ برنامج تعديل وإصلاح شامل بمساعدة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحدّ من التدهور الاقتصادي وتمهيد الطريق لانتعاش اقتصادي قوي.

وأمل ايراديان ان تشمل الخطة المقترحة ما يلي:

أ- اقرار موازنة 2024 بنهاية تشرين الثاني من دون عجز أو تمويل من مصرف لبنان.

ب- إقرار قانون الكابيتال كونترول بنهاية آب.

ت- توحيد أسعار الصرف المتعددة والانتقال إلى نظام سعر الصرف العائم بنهاية أيلول.

ج- إصلاح النظام المصرفي.

عبثاً نحاول

وأكد ان تنفيذ هذه الإصلاحات وغيرها، سيمهد الطريق امام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي ويرفع قيمة الليرة اللبنانية إلى أقل من 70 ألفاً مقابل الدولار، ويخفض معدل التضخم ويؤدي الى انتعاش قوي في الاقتصاد اللبناني.

وختم ايراديان قائلاً: لسوء الحظ فان النخبة السياسية الحالية الممثلة في مجلس النواب، ترى في مثل هذه الخطة وفي تنفيذ الإجراءات المسبقة التي طلبها صندوق النقد الدولي، تهديداً لمكاسبها غير المشروعة. مرجحاً ان تستمر العلاقة بين السياسيين الفاسدين وجماعات المصالح الخاصة في القطاع الخاص، في معارضة هذه الخطة ومنع تنفيذها.

مصدرنداء الوطن - رنى سعرتي
المادة السابقةالتدقيق الجنائي… وكيفية المحاسبة وردّ الحقوق لأصحابها
المقالة القادمةكيف أثّرت خطة المناخ الأميركية على العلاقات التجارية؟