كشف النائب ابراهيم منيمنة في تغريدة له أمس أن وزير الأشغال العامة علي حمية أبلغهم في جلسة لجنة الأشغال الأخيرة، عن توجه لاستقدام مراقبين جويين من المنظمة الدولية للطيران المدني، بسبب النقص بالمراقبين، فيما لم يتم تثبيت المراقبين الجويين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية في العام 2018. علماً أن رئيس الجمهورية السابق ميشال عون رفض توقيع مرسوم تعيين المراقبين الجويين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية لأسباب طائفية، نظراً لأن غالبية الناجحين من المسلمين. وتزامن تحذير وزير الأشغال مع انتشار شائعات عن وجود نقص فادح بالمراقبين ما يهدد سلامة الملاحة الجوية.
ورغم وجود نقص بالمراقبين في المطار، إلا أن مصادر رفيعة في المطار أكدت لـ”المدن” أن “تهديد” حمية يأتي في إطار الضغط لتثبيت المراقبين الناجحين لضرورات “شعبوية”. فمشكلة المطار ليست في نقص عدد المراقبين بقدر الابتزاز الذي يمارسه المراقبون الجويون المعروفون بـ”دفعة التسعينات”. فهؤلاء يطالبون بزيادة المساعدات على رواتبهم البالغة 2500 دولار في الشهر، لتصبح خمسة الاف دولار. وكل مدة يطلقون شائعات من هنا وهناك. فلا يوجد أي تهديد للسلامة العامة.
“دفعة التسعينات”… ابتزاز “تاريخّي”
وتضيف المصادر، “دفعة التسعينات”، أو المراقبون الجويون الذين دخلوا إلى ملاك الدولة في منتصف التسعينيات وفق مبدأ المحسوبيات السياسية، هم الوحيدون المدربون للعمل على أبراج المراقبة والتواصل مع الطيارين، فيما الذين دخلوا إلى الملاك في العام 2010، غير مدربين لهذه المهمات. ويبلغ عدد هؤلاء المراقبين نحو 13 مراقبا جويا، مخولين التواصل على الموجة الصوتية الأساسية، وهم عمليا المتحكمون اليوم بالمطار، نظرا لحساسية مهمتهم في تأمين سلامة الملاحة الجوية في مطار بيروت الدولي والأجواء اللبنانية عموما. لكنهم غير راضين عن راتب 2500 دولار في الشهر، في وقت أعلى مساعدة يحصل عليها نائب رئيس المطار لا تصل إلى 1200 دولار.
هؤلاء المراقبون، لطالما ابتزوا الإدارة تاريخيا بإضرابات بعضها كان مجرد وعيد وبعضها تسبب بالفعل بإيقاف الملاحة الجوية لساعات (عام 2014)، ويغذّي ابتزازهم للإدارة، النقص الفعليّ في عدد المراقبين الجويين في مصلحة المراقبين، حيث تقدّر الحاجة وفق المرسوم التنظيمي للطيران المدني بـ 105 مراقبين جويين، بينما عدد المراقبين بالملاك لا يتجاوز اليوم الـ 30 بين مراقب ومعاون مراقب. يضاف إليهم مراقبون متقاعدون، أعيد توقيع عقود تعاقد معهم من ضمن اتفاقية التعاون بين المديرة العامة للطيران المدني والمنظمة الدولية للطيران المدني. ورغم ذلك يعاني المطار من نقص بالمراقبين يتنافى مع الشروط الدولية لسلامة الملاحة الجوية في المطارات، وتتحمل مسؤوليته العقلية الطائفية المحاصصاتية التي أعاقت تثبيت المراقبين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية.
لكنّ دفعة التسعينات، لا تعول في ابتزازها على روحية التعطيل السياسية وحدها، بل أيضا برفض هؤلاء المراقبون، تدريب المراقبين الجويين من الفئة الرابعة، أو “دفعة العام 2010″، وعددهم نحو 17 “معاون مراقب”.
هكذا يتحكم المراقبون الجويون القدامى بسلامة ملاحة المطار، مع امتناعهم عن تدريب المعاونين ومنع ترقيتهم، علما أنه لا يمكن للمعاون وحده المراقبة ضمن الدوام من دون وجود مراقب، وهو ما يزيد طين نقص العديد بلة.
مكافأة الحوت المؤقتة
وعلمت “المدن” أن آخر حصاد ابتزاز المراقبين الجويين القدامى كان وعداً من رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط، محمد الحوت، بمكافأة بقيمة 2500 دولار، تدفع لهم من طيران الشرق الأوسط. وتخشى مصادر مطلعة من تكريس هذه المساهمة دوريا، لكن ليس على حساب طيران الشرق الأوسط.
وتعليقاً على استقدام مراقبين جويين من الخارج عبر “المنظمة الدولية للطيران المدني”، لفتت المصادر إلى أن هناك مشروع تعاون قديم بين المنظمة الدولية للطيران المدني والمديرية العامة للطيران المدني، قوامه التعاقد مع خبراء في أقسام عدة. ويصل عدد المتعاقدين في هذا المشروع إلى نحو 25 شخصاً من ضمنهم مثلا 7 مراقبين جويين، وطيّارين وغيرهم، يتلقون رواتب بنحو 1500 دولار بالشهر. وهم جميعهم لبنانيون وليسوا أجانب، كما حاول حمية الإيحاء.
محميات الفساد الطائفية
النائب ابراهيم منيمنة والذي كشف عبر تويتر عن فضيحة استقدام مراقبين جويين من الخارج بعد مسار من تعطيل تثبيت الكفاءات اللبنانية وفق القوانين المرعية، يرى في حديثه لـ”المدن”، أننا أمام نموذج صارخ عن المعايير الطائفية التي تتحكم بقرارات الدولة، فالبعد التحاصصيّ الذي يتم تجميله بعبارة التوازن الطائفي، يضرب القانون والمنطق، ويستحيل تطبيقه بشكل كامل من دون حصول تناقض مع الدستور اللبناني، والذي يحصر المناصفة بوظائف الفئة الأولى”.
والإشكالية تكمن برأيه “بهدف السياسة في لبنان، وهو التحاصص الطائفي وليس تطوير مؤسسات الدولة، وهو ما أدى لدمارها، ويضعنا اليوم أمام ضرورة مراجعة المرحلة السابقة.
وليس غريبا برأيه على المحميات الطائفية ونهج التعطيل في الإدارة، استسهال استقدام كفاءات من الهيئة الدولية للطيران المدني، على تثبيت الكفاءات اللبنانية الناجحة في مجلس الخدمة المدنية، مع ما يعنيه هكذا قرار، من تبعات على الخزينة العامة اللبنانية.
هذا النهج، يضر بالمصلحة العامة اللبنانية، ويفقد مؤسسات الدولة هامش الاستقلالية بقرارها، فمنطق المحاصصة الطائفية، يمكّن الزعماء من التحكم بأدق تفصيل الإدارة اللبنانية، وهو ما يفقد المواطن الثقة بمؤسسات الدولة.
سوء الإدارة هذا، يأخذنا برأي منيمنة إلى ضرورة تفعيل الهيئات الرقابية العامة، وهو ما تطرق إليه أمس بالتذكير بعرقلة إنشاء “الهيئة العامة للطيران المدني”، لأكثر من 20 عاما. فكلفة عدم إنشائها حتى الآن باهظة، سيما على مستوى الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والعائدات الممكنة للخزينة والنهوض بقطاع الملاحة الجوية عموما، كهيئة يناط بها التنظيم والرقابة والإشراف على قطاع الطيران المدني ومراقبة المستثمرين ووضع رؤية استراتيجية متكاملة للنقل الجوي.
معايير السلامة الدولية
لا شغور فعليا حاصلا اليوم في أبراج المراقبة، لكن سلامة الملاحة الجوية لا تقاس وفق المعايير اللبنانية الطائفية، أو العمل “عاللبناني” بظروف قاهرة، بل بمعايير دولية، تقيّم ترتيب لبنان لناحية سلامة ملاحته الجوية.
ووفقًا للقوانين الدولية المنظمة للملاحة، يجب ألا يتجاوز الحد الأقصى لساعات مراقبي الملاحة الجوية لكل فترة عمل 8 ساعات، ويجب ألا يتجاوز التمديد 12 ساعة، بشرط مراعاة تقييم مخاطر السلامة، وكلها شروط غير مستوفية.
ويراقب المراقبون الجويون الأجواء اللبنانية، بمستويات مراقبة ثلاثة، فهناك المراقبون في أبراج المراقبة، ومراقبو موجة الـApproach، والـArea controllers، والنقص في لبنان موجود في الأقسام جميعها.
ووفقا للقوانين الدولية التي تنظم الملاحة الجوية، فكلما قلّ عدد المراقبين، كلما ارتفع ضغط العمل على العاملين فعليا، وكلما ارتفع تهديد السلامة العامة للملاحة الجوية.
كل هذه المخاطر، لو وجدت هيئة عامة للطيران المدني، منذ 20 عاما، لما كانت لتتأزم كما هي اليوم، فالهيئة دورها رقابي وغيابها اليوم بحد ذاته، تهديد لجودة السلامة العامة للملاحة الجوية، كهيئة ناظمة ورقابية للملاحة الجوية.