افتتح النائب الأول لحاكم مصرف لبنان، والقائم مقام الحاكم الفعلي بدءاً من اليوم، وسيم منصوري، عهده بتبرئة نفسه وزملائه النواب الثلاثة من كل تجاوزات رياض سلامة، وبالهروب من الصحافيين، بعد كلمة ألقاها، وعد فيها ببذل الجهود لتصويب السياسة النقدية مشترطاً ما لا طاقه له به.
أبرأ منصوري وزملائه الثلاثة ذممهم من جرائم رياض سلامة، لكنه عجز عن مواجهة أسئلة الصحافيين، التي قد تستدرجه إلى ما لا ينوي الحديث فيه، ومن الأسئلة ما لم يلق جواباً في كلمته: هل سيعيد النظر بكل القرارات التي وقعها رياض سلامة منفرداً، وسبق لنواب الحاكم الاعتراض عليها كما قال؟ ما الخطوة البديلة للنواب الأربعة فيما لم يقر مجلس النواب القوانين التي اشترطوا إقرارها خلال مدة 6 اشهر؟
اسئلة كثيرة تفادى منصوري الإجابة عليها، بهروبه من القاعة التي عقد فيها مؤتمره الصحافي الأول اليوم في مصرف لبنان، تزامناً مع حفل وداع أقامه بعض موظفي مصرف لبنان على طريقة “العرس اللبناني” تكريماً للحاكم المنتهية ولايته رياض سلامة.
مخلفات سلامة
شدّد منصوري في مؤتمره الصحافي على براءته وزملائه نواب الحاكم، الذين حضروا إلى جانبه اليوم، من كل تجاوزات رياض سلامة. خصوصاً لجهة إقراض الدولة اللبنانية من أموال مصرف لبنان.
وإذ أكد منصوري مراراً بأنه لن يوقع على أيّ صرف لتمويل الحكومة خارج القانون وقناعاته، قال: مهما كانت الأسباب التي تدفع الحكومة لطلب أموال من المصرف المركزي، فهي أسباب غير مبررة على الإطلاق ويجب أن يتوقف هذا الاستنزاف نهائياً.
وعن تجاوزات سلامة في مصرف لبنان وعجز نواب الحاكم كما ادعى منصوري عن إحداث أي تغيير في حينه، قال: أرسلنا كتباً إلى وزارة المالية وأصدرنا قراراً عن المركزي يقضي بأنه لا يجوز المسّ بالتوظيفات الإلزاميّة تحت أيّ مسمى أو ذريعة. وأقنعنا الحكومة أنّه يجب وقف سياسة الدّعم، ونتيجة لذلك بدأ الاقتصاد يتعافى نسبيّاً، ولكن بقيت حاجة الحكومة للدولار من مصرف لبنان مستمرّة لأنّ الحلّ الوحيد يكمن في إصلاح المالية العامة، فالمسألة ليست نقديّة والحلّ ليس في المركزي إنّما في السياسة المالية للحكومة”.
ورأى أن لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فالاستمرار في نهج السياسات السابقة في ظلّ إمكانات “المركزي” المحدودة، يعني أنّه لا بدّ من الانتقال إلى وقف تمويل الدولة بالكامل، لافتاً إلى أن وقف التمويل للحكومة لا يمكن أن يتمّ بشكلٍ مفاجئ، إنما يجب أن يحصل تعاون قانوني متكامل بين الحكومة ومجلس النواب و”المركزي” ضمن خطّة متكاملة تكفل أن تُعاد الأموال.
تمويل الدولة
وعد منصوري بأنه لن يوقع على أي صرف لتمويل الحكومة خارج الاطار القانوني. لذلك طالب بإقرار قانون يجيز تمويل الحكومة من خلال نص تشريعي من أجل تمويل التوظيفات الإلزامية. ولكن بشروط تؤكد على إعادة المال إلى المصرف المركزي، وسيسمح القانون بدفع رواتب موظفي القطاع العام في الفترة الانتقالية وفق منصة صيرفة.
هذه الصيغة التي يطرحها منصوري، فيما لم تكن مؤقتة، فإنها ستعيدنا إلى مد اليد إلى التوظفيات الإلزامية، ولكن تحت سقف القانون. وهو ما يستبيح أموال المودعين كما حصل على مدار سنوات من خارج القانون.
شروط تعجيزية
وعن الإصلاحات المطلوبة التي تحدث عنها منصوري، كشروط لاستعادة التعاون مع مصرف لبنان، ولضمان إعادة الأموال التي قد يقرضها المركزي للحكومة، قال إنه “لا يُمكن للبلد الاستمرار من دون إقرار القوانين الإصلاحيّة، وهذه القوانين ينتظرها المودع منذ سنوات لمعرفة متى يستعيد أمواله ويجب تقديم مصلحة المواطن والمودع على أيّ شيء آخر، وسنكون بتصرّف مجلس النواب لتزويده بأيّ معلومات أو أرقام للإنتهاء من درس القوانين”.
اما القوانين المطلوبة فهي قانون موازنة العام 2023، وقانون إعادة هيكلة المصارف، وإعادة الإنتظام المالي، والكابيتال كونترول، وكلها قوانين كانت على مدار السنوات الماضية محل تجاذب ونزاع سياسي لا يزال مستمراً حتى اليوم.
تحرير سعر الصرف
تطرق منصوري إلى مسألة تحرير سعر الصرف ومنصة صيرفة فأكد على ضرورة تحرير سعر الصرف ولكن بشكل تدريجي حفاظاً على الاستقرار. وهذا القرار سيُتّخذ بالتوافق مع الحكومة. اما عن التلاعب بسعر الصرف فسيكتفي منصوري بالإجراءات الأمنية والملاحقات القضائية للمضاربين، أي كما حصل سابقاً، قائلاً “ما يُعزّز الاستقرار النقدي هو القانون”.
ما عناه منصوري بتحرير سعر الصرف هو أن سعر الدولار المقوم على الليرة يتم تحديده، حسب عمليات السوق من دون أي تدخل من مصرف لبنان. وهذا يؤكد صحة المعلومات التي تتحدث عن تحضيرات لإطلاق منصة جديدة تعتمد وقف بيع الدولارات للشركات والتجار، والإكتفاء مؤقتاً ببيع الدولارات لموظفي القطاع العام فقط، مع استثناء استيراد بعض الأدوية.
مدّ منصوري يده لكلّ السلطات في البلد في محاولة لإعطاء حلّ، متعهّداً بالشفافية الكاملة في العمل، ومصراّ على رفع السرية المصرفيّة، كما تمنى أن يكون هناك توافق على “إخراج كلّ ما يتعلّق بالسياسة النقديّة من التجاذبات السياسيّة، التي لا أدخل فيها من أجل إنصاف اللبناني والمودع”.